تؤكد الدساتير الديمقراطية على مبدأ الفصل بين السلطات, وتبين حدود ووظيفة كل سلطة من سلطات الدولة, ومن هذا المنطلق يفرد الدستور لكل سلطة نصوصاً تبين حدود اختصاصاتها, وكيفية تنفيذ مهامها وصلاحياتها وعلاقتها بالسلطات الآخرى, وهذا الأمر ينطبق على السلطة التشريعية, التي يبين الدستور مهامها وواجباتها ويُحدد الطرق والإجراءات التي من خلالها تُمارس هذه الاختصاصات, ومن المسلم به أن السلطة التشريعية في الدول الديمقراطية تتكون من مجلس نيابي واحد أو من إثنين, وتسمى بالبرلمان, والأمر لايختلف بالنسبة للسلطة التشريعية في العراق, حيث يُعد مجلس النواب العراقي حالياً وإلى أن يتم تشكيل مجلس الإتحاد ممثلا للسلطة التشريعية, حيث أناط به الدستور العراقي لسنة 2005 العديد من الاختصاصات, والتي تُعد من الاختصاصات التقليدية لعمل المجالس النيابية في الدول البرلمانية, إذ خصص الدستور العراقي الفصل الأول من الباب الثالث لبيان تشكيل واختصاصات السلطة التشريعية في العراق, ومن خلال صرف النظر تجاه هذا الفصل نجد أن مجلس النواب العراقي قد أنيطت به جملة من الاختصاصات, يمكن تحديدها إجمالاً بسن القوانين الاتحادية, ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية, وإقرار الموازنة العامة الاتحادية, والتصديق على المعاهدات, واختيار رئيس الجمهورية, والموافقة على تعيين أصحاب الدرجات الخاصة, إضافة إلى إنفراده وإستقلاله بإداره شؤونه الداخلية في جانب تنظيم سير العمل داخل المجلس وفي علاقته مع أعضائه, وتشكيل هيئاته النيابية, وتنظيم الجانب الإداري لعمل المجلس, من موظفين ومستشارين, ووضع ميزانيته الخاصة. إن هذه المهام المختلفة يتصدى لها المجلس من خلال القرارات التي يصدرها وهو يمارس اختصاصاته الدستورية, وهذه القرارات تختلف من حيث الطبيعة بعضها عن البعض الآخر, فهناك قرارات يصدرها المجلس بمناسبة ممارسته لاختصاصه التشريعي باقرار القوانين الاتحادية (سن القوانين), وفق الإجراءات الدستورية الخاصة التي يمارس من خلالها اختصاصه التشريعي, وبالتالي فهي تختلف من ناحية الطبيعة والمحتوى عن قراراته التي يصدرها بمناسبة ممارسة وظيفته الرقابية على أعمال السلطة التنفيذية, والتي يتخذها من خلال مايملكه من وسائل وأدوات رقابية دستورية لممارسة هذه الوظيفة, والتي تختلف أيضاً من ناحية الطبيعة والمضمون عن القرارات التي يتخذها المجلس والمتصلة بتنظيم سير العمل داخله, كتلك المتصلة بإختيار رئيسه ونوابه, أو المتعلقة بتشكيل لجانه الدائمة أو المؤقته, وآخرى تتصل بعلاقته مع أعضائه, أو تلك المنظمة لعلاقته بموظفيه, ومن ذلك يبدو واضحاً تنوع القرارات التي يمتلك المجلس صلاحية إصدارها ليعبر من خلالها عن إرادته في علاقته مع السلطات الآخرى أو في العلاقة بين هيئاته, وبالتالي فإن هذا الإختلاف والتنوع سوف ينعكس على طبيعة القرارات التي يتخذها مجلس النواب, حيث أن الطبيعة القانونية لتلك القرارات لاترتبط فقط بالجهة التي أصدرتها في كونها السلطة التشريعية فقط, بل تتصل بمضمون ومدى ونطاق وآثار تلك القرارات, وبمعنى آخر إن مجلس النواب العراقي ومن خلال دراسة اختصاصاته المتنوعة ومهامه الدستورية, فإن له صلاحية إصدار قرارات مختلفة من حيث الطبيعة القانونية, وبالتالي من ناحية الأثر القانوني المترتب على كلٍ منها, إن دراسة هذه القرارات وبيان طبيعة كل منها سينعكس على جوانب كثيرة مهمة في المجال القانوني, ومنها بيان الآثار القانونية لكل نوع من هذه القرارات, وثانيهما إتضاح الجهة المختصة في النظر في صحة هذه القرارت والتأكد من مشروعيتها, إضافة إلى بيان مسؤولية المجلس عن هذه القرارات, التي قد تحدث ضرراً للغير بعده إحدى سلطات الدولة, والقرارات الصادرة عن مجلس النواب بمناسبة ممارسته لاختصاصاته الدستورية هي عبارة عن تصرفات قانونية صادرة عن سلطة تشريعية تحمل أثاراً قانونية عامة ومنها خاصة لإحداث مفاعيل قانونية تعبر عن إرادة المجلس بإحداث أثار قانونية, ومنها ما يعبر عن إرادة عامة صريحة كالقرارات التشريعية, التي تضع قواعد قانونية عامة وتصدر وفق إجراءات خاصة رسم مسارها الدستور, كل هذه الأمور وغيرها سيتم البحث فيها في هذه الأطروحة لعلنا نستطيع ان نحدد الطبيعة القانونية لكل نوع من أنواع قرارات مجلس النواب العراقي, وتحديد بعض النتائج القانونية المترتبة على هذه الطبيعة, ومن الجدير بالذكر هنا أن صلاحيات ومهام مجلس النواب العراقي وفق النصوص الدستورية كثيرة ومتنوعة ودراسة جميع هذه الصلاحيات والمهام يتطلب أكثر من حجم هذه الإطروحة, هذا من جانب, وإن طبيعة بعض القرارات التي يصدرها المجلس قد تم التسليم بطبيعتها من قبل القضاء والفقه, كتلك المتصلة بالموافقة على تعيين أصحاب الدرجات الخاصة, والتي لانجد إختلافاً حول طبيعتها القانونية بعدها قرارات إدارية صادرة عن السلطة التنفيذية وأن تصديق السلطة التشريعية عليها لايغير من طبيعتها تلك, أي أن موافقة أو تصديق مجلس النواب عليها لاينزع عنها صفتها هذه من ناحية آخرى, لذلك سوف تقتصر هذه الدراسة على القرارات التي يصدرها المجلس في مجال اختصاصه بسن القوانين, ووظيفته الرقابية, وتنظيم سير العمل داخله وإدارة شؤونه الداخلية.