إن الفكرة الخاصة بإنشاء محكمة جنائية دولية تحاكم الأشخاص، ليست بالفكرة الحديثة، فقد سبق للعديد من فقهاء القانون الدولي وأن طرح هذه الفكرة ، ومن ثم أنشأت عدد من المحاكم الجنائية الدولية المؤقتة، كمحكمتي يوغسلافيا السابقة ورواندا التي شكلها مجلس الامن ، تتشكل هذه المحاكم وتنعقد وتنتهي بإنتهاء المهمة التي شكلت من أجلها ويُعدُ إنشاءالمحاكم المذكورة ، اللبنة الأولى لأنشاء محكمة جنائية دولية مستقلة دائمة لمحاكمة الأفراد الذين يرتكبون اشد الجرائم الدولية خطورة دون تركهم يفلتون من العقاب، وبعد جهود كبيرة وشاقة بذلها المجتمع الدولي تم في النهاية التوصل إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ، بموجب نظام روما الأساسي لعام 1998 جاءت نصوص النظام المذكور لتمنح مجلس الأمن دوراً مهماً في عمل المحكمة ، فقد مُنح مجلس الأمن سلطتين مهمتين هما ( سلطة الإحالة ) وفق المادة (13 / ب) ، و( سلطة الإرجاء) وفق المادة (16)، وهاتين السلطتين خلقت علاقة ذات طبيعة قانونية بين مجلس الأمن والمحكمة الجنائية الدولية. فهذه العلاقة القانونية بين هذين الجهازين على الرغم من أختلاف طبيعة كلٍ منها، أثارت جدلاً كبيراً وواسعاً بين فقهاء القانون الدولي، خصوصاً وأن نظام روما الأساسي لم ينظم أوجه هذه العلاقة بشكل واضح ، مما جعلها من أهم المسائل وأكثرها تعقيدأ ،لأنها تثير الكثير من الإشكاليات القانونية الخطيرة ، والعديد من التساؤلات حول آثار هذه العلاقة على عمل المحكمة الجنائية الدولية، فهل سيكون دور مجلس الأمن وهو جهاز سياسي ، من خلال علاقته القانونية بالمحكمة دوراً إيجابياً، يسهم في قيام المحكمة بأداء الدور المرسوم لها وفق نظام روما الأساسي في ملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية ، أم سيكون دوراً سلبياً معطلاً للمحكمة ، لا سيما وأن مجلس الأمن ستكون له أدواراً فاعلة ومؤثرة في عمل المحكمة الجنائية الدولية ، كدوره في الإحالة ، والإرجاء ، أو التعاون الدولي مع المحكمة ، وكذلك دوره الحاسم في جريمة العدوان. وإستناداً الى ذلك فأننا أرتأينا أن نبحث هذه العلاقة القانونية بين هذين الجهازين الفاعلين بما تثيره من إشكاليات وتساؤلات في أطروحتنا الموسومة بـ (الطبيعة القانونية لعلاقة مجلس الأمن بالمحكمة الجنائية الدولية).