إن البحث في موضوع (إسرائيل) والتحولات السياسية العربية يسعى إلى الكشف عن الإمكانات والقدرات التي تتمتع بها (إسرائيل), التي وفرت لها القدرة على وضع مشاريعها المعدة سلفا للمنطقة العربية موضع التنفيذ, لعل في مقدمة تلك الإمكانات والقدرات هي القدرات العسكرية التي منحت (إسرائيل) القدرة على الظهور بوصفها قوة إقليمية, لما تتمتع به من إمكانات عسكرية سواء في جانب التسليح والتدريب والتجهيز, مترافقة مع التكنولوجيا المتطورة التي حصلت عليها من خلال الدعم الخارجي, لاسيما الدعم الأمريكي والتبرعات اليهودية, أم من خلال ما تمتلكه من قدرات تكنولوجية استطاعت أن تطورها ذاتياً, إلى جانب ما تمتلكه من أسلحة متطورة خاصة الأسلحة النووية. أن سعي (إسرائيل) للاعتماد على جيش صغير ومتطور فرضته ضرورات البيئة المكانية التي تعيش فيها كونها محاطة بأعداء يفوقونها عددا وإمكانات, بيد أنهم اقل منها تطورا, وهو ما دفعها لبناء جيش صغير عددا لكنه متفوقاً تكنولوجياً, إضافة إلى اعتمادها على الصناعات ذات التكنولوجيا المتطورة, خاصةً الصناعات العسكرية التي أسهمت في بناء اقتصادها, فضلاً عن المعونات المستمرة والسخية من والولايات المتحدة والجاليات اليهودية في جميع دول العالم, التي وفرت لديها قدرات اقتصادية عالية, وأسهمت في إنعاش اقتصادها بشكل مستمر, ناهيك عن ما تمتلكه من تكنولوجيا متطورة في المجالات كافة, لاسيما تكنولوجيا الفضاء التي وظفتها في خدمة مشروعها الإقليمي من خلال إطلاقها الأقمار الصناعية, التي خصصتها لإغراض التجسس على البلدان العربية. كل تلك الإمكانات التي منحت (إسرائيل) القدرة على الحركة والنفوذ إقليميا, إلا أنها جوبهت في الوقت ذاته بمعوقات وكوابح شكلت بمجموعها محددات للفعل (الإسرائيلي) الإقليمي, ويأتي في مقدمتها المشاكل السياسية والاجتماعية الداخلية, والمشاكل الاقتصادية والتي تتركز في شحة الموارد وقلة عدد الأسواق إن ذلك الواقع الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي ترافق مع بيئة إقليمية ودولية داعمة للمخططات (الإسرائيلية) المعدة للمنطقة العربيةِ, ومع ما تضمره من عداء للعرب, والتي شكلت بمجموعها مرتكزات مهمة للفاعلية (الإسرائيلية) الإقليمية والدولية, وأداةً لتمرير المخططات الصهيونية, من أبرزها إثيوبيا وتركيا, وقد جاءت التظاهرات التي عمت اغلب البلدان العربية لتوفر الأرضية الخصبة لتنفيذ تلك المخططات, التي تضمنت تقارباً وتوافقاً (إسرائيلياً) أمريكياً حول تلك المخططات, ومنها مشروع الشرق الأوسط الجديد والكبير (الإسرائيلي) الأمريكي, ومشاريع التفتيت والتجزئة للبلدان العربية عبر إستراتيجة (الفوضى الخلاقة) التي طرحتها الولايات المتحدة سبيلاً لتنفيذ تلك المخططات, وهو ما يؤكد أن الفوضى التي عمت البلدان العربية المهمة والمركزية في النظام الإقليمي العربي كمصر مثلاً, لا يمكن أن تكون صنيعة قوى داخلية هدفها إعادة ترتيب الواقع السياسي والاقتصادي بما يعود بالنفع على المجتمع العربي فيها.