تتناول الدراسة موضوع السياسة التركية تجاه سوريا بعد العام 2002، من خلال استعراض مقومات ومتغيرات تلك السياسة والقوى الصانعة لها، ومضامينها، فلقد شهدت تركيا تحولات في ديناميات سياستها الخارجية وتجلياتها ، وفي مدارك وتصورات الراي العام والطبقة السياسية ومواقفهم تجاه مايتعلق بتركيا في سياستها الاقليمية والدولية ، وما يجب ان يستمر وما يجب ان يتغير ، ليس في سياستها الخارجية فحسب وانما على صعيد سياستها الداخلية كذلك ، لذا قامت تركيا بأنتهاج سياسة تمكنها من تأدية دور اقليمي يكسبها أهمية اكبر عند القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي الذي ترغب تركيا بالانضمام اليه، وهذه السياسة أتجهت نحو بُعدها التاريخي ذا الصبغة الاسلامية دون تخليها عن علمانيتها التي هي منهج الحياة في تركيا الحديثة منذ ان أسسها مصطفى كمال اتاتورك لقد ركزت تركيا جهودها على دول الجوار بداية دون اغفال اي دور اخر تستطيع القيام به ويزيد من رصيدها وهي دولة تمتلك مقبولية أكبر في المنطقة لدى العديد من الدول المتناقضة خاصة بعد تجاوزها لحساسياتها القديمة تجاه العرب ، ثم انها تملك ما يؤهلها ان تكون قوة اقليمية فهي تسيطر على مياه جيرانها في العراق وسوريا، وهي عضو في حلف الناتو وتمتلك ثاني اكبر الجيوش فيه من حيث العدد، ولديها اقتصاد يستطيع النمو بصورة كبيرة والمنافسة اقليميا ودوليا. لقد تصاعد الدور التركي في المنطقة بعد تولي حزب العدالة والتنمية زمام السلطة عام 2002، والذي تبنى مبادىء جديدة في سياستهُ تجاه دول المنطقة ومن ضمنها سوريا ، تمثلت في تصفير المشكلات مع دول الجوار والانفتاح على جميع جيرانها ، بعد ان كانت رؤية تركيا السياسية تقوم على عدم التركيز على دول الشرق الاوسط والتوجه نحو الغرب ، فقد نجح الحزب من خلال سياستهُ النشطة التي اتبعها الى الانتقال من اجواء التأزم والعداء التي كانت سائدة مع سوريا الى خلق اجواء من التعاون والانفتاح ، وفي كافة المجالات ، واستمر هذا التقارب بالتصاعد وبوتيرة متسارعة الى بدء الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير في سوريا في آذار 2011 ، فبــــدأت السياسة التركية تشهد منعطفاَ جديداَ تمثل بالتراجـــع التدريجي للعلاقة مع سوريا ، وأستمر هذا التراجع مع أزدياد وتيرة الاحتجاجات في الداخل السوري مترافقاَ مع موقف الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي في رفض النظام السوري ، ثم ازداد هذا التراجع في السياسة التركية تجاه سوريا لدرجة مشاركتها في جلّ الاجتماعات الاقليمية والدولية حول الاوضاع في سوريا والداعية الى تنحي النظام السوري عن الحكم، واصبح موقف تلك السياسة خاضعاً لاحتمالات عدة يمكن ان تفضي الى عدة مشاهد في سياسة تركيا تجاه سوريا.