الجريمة ظاهرة اجتماعية لها جوانب مادية ندركها بحواسنا ونشعر بها من خلال ما تحدثه من خلل وارباك في أوضاع الجماعة وفي النظم العامة التي تحدد سير الحياة المجتمعية، وما يترتب على ذلك من اضرار اقتصادية وسياسية وثقافية تؤدي الى تأخر تقدم المجتمع، وتحول بينه ويبن التطور اللازم لنمو طاقاته المختلفة.ومرتكب هذه الجريمة انسان دفعته عوامل عدة لارتكابها، منها داخلية واخرى خارجية، تظافرت وامتزجت وتفاعلت في انتاج هذا السلوك المؤدي الى ارتكاب الجريمة، وهنا يبرز الجانب المعنوي الذي يتمثل في الدوافع الداخلية لدى مرتكب الجريمة حيث تعتبر الارادة الآثمة المظهر الرئيس له. فهي القوة الكامنةي دواخل الانسان المنحرف تسيطر على افعاله وتصرفاته وتوجهها نحو النشاط الاجرامي الذي يعاقب عليه القانون، ولولا وجود هذه الارادة الآثمة لما امكننا محاسبة من يرتكب الفعل الاجرامي، فماديات الجريمة لا تقيم مسؤولية ولا تستوجب عقاب، فالجانب المعنوي هو الأساس الذي تدور حوله المسؤولية الجانئية وجوداً وعدماً، وللإلمام بهذا الجانب لا بد من الغوص في اعماقه للتعرف على أسسه وطبيعته، وعوامل تكوينه وكيفية تفاعل مكوناته التي تنتج الارادة الآثمة، والتعرف على الظروف التي تجعل من الإرادة الآثمة قوة فاعلة ومؤدية الى سلوك اجرامي.وهذا يتطلب الاحاطة بما يتضمنه علم النفس الجنائي والاجتماعي من حقائق و مبادئ ترسم لنا كيفية تشكل هذه الارادة في بعض جوانبها التي تتفاعل مع الجوانب الاخرى، وكذلك دراسة العلوم الطبية التي تعنى بالجانب العقلي والعصبي وما يلح بها من امراض لها تأثير مباشر أو غير مباشر في تصرفات وسلوك المنحرفين الذين يتكون قوانين ونظم المجتمع الذي يعيشون فيه، كذلك العلم بمدى تأثير العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية في نفسية الانسان التي من شأنها دفعه الى اقتراف الفعل الاجرامي.فإذا تظافرت هذه العوامل المختلفة وانتجت هذه الارادة الآثمة فالضرورة العلمية والقانونية تقتضي تقييم قوة هذه الارادة فيما اذا كانت كاملة أو ناقصة أو معدومة وبيان مدى تأثير كل حالة من هذه الحالات على السلوك الاجرامي.واذا كان العدل هو روح القانون، فلا بد من تحقيقه عند معاملة اي شخص متهم بارتكا جريمة، من خلال التعامل مع قوة ارادته الآثمة وذلك لاستكشاف الأسباب الكامنة والظاهرة التي قادته الى العمل المعاقب عليه، وهذا يتم باخضاعه الى الفحص والتحقيق والبحث الذي يقوم به المختصون من رجالل القانون والطب وعلم النفس وعلم الاجتماع فاذا تم التوصل الى مدى ما يمتلك من ارادة اثمة، عندما ينطق القاضي بالحكم الذي يتناسب مع هذه الارادة، على ان لا تكون عرضة للضغط والاكراه والعنف الذي من شأنه ان يفقدها الحرية والاختيار في التعبير عن الوقائع في كل مراحل التحقيق الابتدائي أو النهائي.واذا ثبت التحقيق ارتكاب الشخص الفعل الاجرامي وصدر الحكم بحقه فلا بد ان تصان حريته وتحترم ارادته اثناء تنفيذ العقوبة تطبيقا للمبدأ الذي يقضي ان العقوبة ليست للانتقام وانما للاصلاح والتأهيل.وهكذا فإننا سوف ننتهج في دراستنا لموضوع الارادة الآثمة وتأثيرها على المسؤولية الجنائية والبحث في جوانبها المختلفة موضحين العوامل البايولوجية، والانثروبولوجية، والعصبية والنفسية وكذلك العوامل الخارجية، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية والتربوية التي تؤثر في قوة هذه الارادة التي تدفع الى ارتكاب الفعل الاجرامي كما نبين الاسس التي يتم بموجبها تحديد مسؤولية الجاني استنادا الى قوة ارادته. ومن الطبيعي ان نلقى الضوء على بعض الجوانب العلمية والعملية التي تساعد على تقويم السلوك لدى الانسان الذي قد يمثل خطورة على المجتمع.