جرائم الفساد(دراسة في مدى موائمة التشريعات العربية لأحكام إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد)

number: 
1615
عربية
Degree: 
Author: 
رشا علي كاظم
Supervisor: 
الدكتورة زينب احمد عوين
year: 
2012

مما لاشك فيه ان ظاهرة الفساد اصبحت من القضايا الراهنة على الساحة الدولية والمحلية، باعتبارها تشكل عائقا أساسيا للتنمية في مختلف مجالاتها ، كما انها ظاهرة عالمية وربما الجديد والاخطر ،ان الفساد قد تجاوز مفهوم الجريمة ليصبح ظاهرة وخيمة الدلالات والنتائج وربما ذات اثار مدمرة على كثير من البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع ، وهو الامر الذي يستوجب النظر للفساد باكبر قدر من الاهتمام والمواجهة.فإنْ كانت الجريمة بالمفهوم التقليدي ترتكب  في الغالب من أفراد مهمشين او عصابات خارجة عن القانون،فاليوم وفي عصر العولمة ترتكب من موقع السلطة او بالقرب منها لذا يطلق عليها "اجرام السلطة" حيث تسخر اجهزة الدولة لخدمة الاغراض الاجرامية بانحراف الوظائف الاصلية للدولة عن الغرض الاساسي لها وهو خدمة المصلحة العامة لتحقيق منافع خاصة وعليه يعد الفساد قضية تشغل جميع الدول باختلاف درجة تقدمها الاقتصادي والعلمي ، بل يبدو وكأنه اصبح ظاهرة في بعض الدول، فالفساد معوق للدول في طور النمو ،ومهدد للدول الاوفر تقدما وهذه الدول وتلك مختلفة في بنيتها الاقتصادية ،متفاوتة في نظمها الادارية، متباعدة في اولوياتها الاجتماعية لاسيما وبعضها يمر بمرحلة تحول اقتصادي‘ولهذا فان نجاح المجتمع الدولي في مكافحة جرائم الفساد يتوقف بدرجة كبيرة على الوعي بهذه الاختلافات والتفاوتات وهو وعي ينبغي ان ينعكس في مساعدة الدول النامية بتحديث بنيتها وهيكلها الاداري وما يتصل بذلك من نظم واوضاع تمثل في ظل ظروفها الاقتصادية الصعبة عاملا لا يمكن اهماله في مكافحة جرائم الفساد ،وان تشمل مكافحة جرائم الفساد الممارسات السلبية للشركات عابرة الحدود ومؤسسات القطاع الخاص جنبا الى جنب مع مكافحة جرائم الفساد في القطاع العام.هذا ويمثل الفساد اهم عوامل التخلف الاجتماعي والاقتصادي ومن اهم عوامل الانحراف الاخلاقي والنفسي في المجتمع ، بل هو كذلك سبب في اضعاف الثقة بين الافراد وبين الحاكم والمحكوم، وفي خلق التشوه في منظومة القيم الاخلاقية والعدالة الانسانية ،والاخلال بمبدأ تكافؤ الفرص، والعدل بين افراد المجتمع ، ولا يعتبر الفساد بأي حال من الاحوال قضية جديدة ،لكنه برز كقضية عالمية مؤخرا،فقد اخذت الجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية ، ومنها جرائم الفساد،في الازدياد من حيث عددها، ومن حيث نطاقها وحجمها ،في العصر الحديث بشكل كبير ومضطرد ،ويرجع هذا الازدياد السريع الى اسباب عدة منها التطور التكنلوجي الهائل في وسائل الاتصال والمواصلات بشكل لم تعد معه الحدود الوطنية تمثل عائقا كبيرا امام هذه النوعية من الجرائم، مما ترتب عليه انه لم تعد اي دولة  قادرة بمفردها  على ان تكافح بنجاح تلك النوعية من الجرائم ،بل اصبحت هناك حاجة ماسة للتعاون الدولي لمواجهة هذه الجرائم.ويؤكد العديد من المراقبين في العالم ان الفساد اتخذ طابعا منهجيا ومؤسساتيا  في العديد من الدول حيث اصبح قاعدةً لا استثناءً ،ويشير المتخصصون الى ان ضعف اليات المساءلة والشفافية يعتبر سببا رئيسا وراء ارتفاع معدلات الفساد وانتشار صوره.ومع التسليم باهمية التشريع الجنائي كاداة رادعة لمكافحة جرائم الفساد فأن الاكثر اهمية ان يبقى هذا التشريع مرتبطا برؤية شاملة لظاهرة الفساد ، فلم تقلق الترسانة العقابية يوما مضجع الفساد ،لابد اذن من نظرة واعية تضع جرائم الفساد في سياقها الطبيعي وهو سياق تتجلى فيه الكثير من العوامل السلبية المعروفة وعلى راسها البيروقراطية وضعف الرقابة وسوء التنظيم الاداري وتضارب القوانين وعدم تحديد الاختصاصات وظهور التغيرات المجتمعية المتلاحقة والسريعة بما افضت اليه من تغير النظم الادارية والقانونية ‘وقد اسهم هذا الوضع في خلق موقف يخلو من المعايير او تخلو فيه المعايير القائمة مما يحرض على الفساد والانحراف.لقد قامت الامم المتحدة في اطار سعيها لتوفير اطر قانونية توفر المناخ الملائم لارساء دولة الحق والقانون على المستويين الوطني والعالمي ، بوضع اتفاقية ذات اطر شاملة عن مكافحة جرائم الفساد ، وتمثل هذه الاتفاقية تطورا مهما في تاريخ الانسانية ذلك انه للمرة الاولى يتم التوصل الى توافق للمجتمع الدولي حول عدد من المفاهيم التي تحكم العمل القانوني في مجال الممارسات التي اصطلح على اعتبارها فسادا ، والملاحظ ان جرائم الفساد معاقب عليها في مختلف التشريعات العقابية العربية اوالدولية ، ولكن تحت تسميات غير تسمية جرائم الفساد ،كجريمة الرشوة والاختلاس والاخفاء وغيره، الا انه وبعد المصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة جرائم الفساد سارعت العديد من الدول ومنها العراق ،الى استبدال التسميات القديمة لجرائم الفساد بالتسمية الجديدة، وتخصيص قانون مستقل لذلك ، وعقوبات وتدابير جديدة تتماشى مع الاتفاقيات الدولية.