بدأت الدعوة إلى الإصلاحات الدستورية في الدول العربية منذ التغييرات الكبرى التي حدثت في العالم، خاصة في العقد الأخير من القرن العشرين بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية، وانهيار نظام القطبية الثنائية بانفراد الولايات المتحدة الأمريكية في الساحة الدولية وطرح ما يسمى بالنظام الدولي الجديد كانت سياسة الولايات المتحدة في العالم ومنذ الحرب العالمية الثانية قائمة على دعم الأنظمة السياسية الموالية لها في دول عالم الجنوب وإسقاط الأنظمة المعادية لها من خلال الانقلابات العسكرية، وذلك تخوفاً منها من المد الشيوعي في تلك الدول، الا ان تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الشيوعي دفعها الى رفع شعار الديمقراطية ونشرها في دول عالم الجنوب متزامنة مع فرض النظام الرأسمالي وتحقيق أقصى معدلات الأمن للرأسمالية في تلك الدول. وبذلك بدأت المناداة بالإصلاح الدستوري لانهاء أي عوائق امام عمل الاقتصاد الرأسمالي وربط تلك الدول بصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية هذه الهيمنة السياسية والاقتصادية دفعت الى تصاعد الدعوات الى الاصلاح الدستوري ضمن أطار شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبناء مؤسسات المجتمع المدني وازدادت هذه الدعوات بشكل كبير بعد أحداث 11 أيلول 2001، مثلت عملية الاصلاح الدستوري اهم قضايا الإصلاح في الدول العربية، والتي لا يمكن ان تكون في معزل عن مجمل المستجدات الدولية، سواء تلك المتعلقة بالظرف السياسي أم الاقتصادي الإقليمي والدولي وتأثيره على الدول العربية، أو تلك المتصلة بقضايا مثل حقوق الإنسان وحرياته العامة والهوية والمصير وكيفية انعكاسها في الدستور. وفي هذا السياق فقد مثل الإصلاح الدستوري في الدول العربية نوع من الإشكالية من خلال التناقض بين ما هو وطني وما هو عالمي، إذ إن الترابط ما بين مطلب الإصلاح وبين مطلب وضع الدستور وتعديله، هو ترابط تاريخي له ضرورات واقعية، فمن ناحية لا يمكن ضمان واستمرار واستقرار عملية الإصلاح بغير دستور يحميها، ولكن ليس الدستور فقط هو الضامن لعملية الإصلاح، إذ إن الدستور مهما كان صريحاً واضحاً، إلا انه لا يمكن أن يضمن عملية الإصلاح إلا إذا توافرت الإرادة السياسية للنظام السياسي على البدء فيه أو الاستمرار في دعمه وتطويره، فالإصلاح الدستوري هدفه إحداث تغييرات ملموسة في بعض أو جميع نصوص الدستور تقود في النهاية إلى الإصلاح الشامل، إذ لا يمكن أن يتحقق أي إصلاح بدون إصلاح للدستور، ويتم ذلك من خلال وجود دستور يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وكيفية تشكيل السلطات العامة، وما مدى صلاحية هذه السلطات وما هي العلاقة بين كل سلطة وأخرى، وان يكون هناك نص واضح يبين الحقوق والحريات العامة للمواطنين، وإذا كان هناك دستور تجاوزه الواقع، فلا بد أن يتم إصلاح ذلك الدستور لينسجم مع الواقع القائم. وهنا يطرح الإصلاح الدستوري بهدف إصلاح القواعد الدستورية التي تشير عن سيطرة سلطة ما على بقية السلطات، أو انتهاك حقوق المواطنين وحرياتهم، أو تكريس نظام حكم معين. أما الآليات العملية لإصلاح الدستور فتنص عليها قواعد الدستور، وهي تختلف صعوبة أو سهولة بحسب مرونة الدستور أو جموده. كذلك فان الدستور هو انعكاس للظروف التي تعيشها الدولة، وعليه فلابد من تعديل نصوصه بما يتماشى مع تلك الظروف، والا حدث انفصام بين النص والواقع.