لقد أوجبت الأخلاق التي تمثل روح الأديان على المخاطبين بها أن يكون تصرفهم على نحوٍ يحقق مصلحة المجتمع في حفظ كيانه ودوام استقراره من خلال التعاون والتفاهم والأمانة في العلاقات القائمة ما بين الأفراد ،وإذا كان هذا ما تسعى إليه الأديان المختلفة فهو أيضا ما تهدف إليه بالدرجة الأساس القوانين، فكل من القانون والدين يسعيان إلى توطيد أواصر الثقة والأمانة وهي جوهر الأخلاق الحميدة التي يجب أن يتصف بها سلوك الفرد في علاقته مع باقي أفراد المجتمع خصوصاً في علاقة العمل.فالأمانة تقتضي من طرفي هذه العلاقة تخلي الشخص عن ذاتيته بشكلٍ نسبيٍ تحقيقاً لمصلحة الطرفين، فلا يقوم بأي عمل من شأنه أن يلحق الضرر بالطرف الآخر وان كان في ذلك تحقيق لمصلحته الخاصة إن لم تكن متناسبة مع حجم ذلك الضرر ،لذا تبدوا أهمية الجانب الأخلاقي في تصرف أي من الأطراف، كونه الأساس الذي تبنى عليه العلاقة العقدية القائمة على الثقة المشروعة بين إطرافها بحيث يمكن معها الاستمرار في هذه العلاقة حتى نهايتها، من دون الإخلال بالتوازن بين أطرافها وعلى نحوٍ يسهم في بناء وتطوير الجانب الاقتصادي وتطويره لصاحب العمل من ناحية والجانب المادي للعامل من ناحية أخرى. وإذا كان الأمر كذلك فعلى كل طرف من أطراف العلاقة العقدية أن يتحرك بباعث ورغبة يسعى من خلالها تحقيق أكبر نجاح ممكن للمشروع الذي يعمل فيه متجاوزا ًبذلك مصالحه الخاصة وصولاً لمصلحة أسمى هي مصلحة المجموع لذا تبدو أهمية الالتزام بالأمانة كونه حلقة الوصل بين الفكرة والسلوك فهو انعكاس لدواخل النفس البشرية التي تحتاج إلى تدخل بدرجة كافية لتحريك تلك الكوامن، لتصبح بدورها طاقة محركة ودافعة للسلوك القويم الذي يجب أن يتصف به أطراف العلاقة العقدية على نحوٍ لا يلحق الضرر بالطرف الآخر، خصوصاً إذ ما علمنا بان عقد العمل في بعض الأحيان قد لا يبرم بين ليلة وضحاها ، بل قد تسبقه بعض المفاوضات التي تطول أو تقصر بحسب المسائل المراد ألاتفاق عليها، مما يجعل هذه المرحلة من المراحل الخطرة التي تسبق إبرام العقد والتي تنكشف فيها الكثير من أسرار التعاقد، لا يخلو الأمر أيضاً في مرحلة تنفيذ العقد من تلك المخاطر، بل قد تبدو أهمية الالتزام بالأمانة بشكل جلي وواضح في مرحلة إنهاء العقد وما بعدها في الحالات التي قد يتعسف فيها أحد الأطراف باستعمال حقه المقرر له قانوناً، وهو ما دفعنا لاختيار هذا العنوان موضوعاً للبحث والدراسة، لما له من أهمية في رفد البحث العلمي بتطورات نظرية، ووضع القواعد الأساسية والركائز الصحيحة لقضاء واعد من حيث القرارات التي يمكن أن نستخلص منها القواعد القانونية الجديدة والتي يمكن أن تعد في المستقبل أحد المصادر الأساسية لتطوير قانون العمل العراقي فضلاً عن قلة الدراسات القانونية في هذا المجال .