لا يتصور وجود مجتمع بدون برلمان يسيطر على أوجه النشاطات التي يمارسها الأفراد ويقوم بالتعبيرعن أراء ومعتقدات الشعب من أجل رفع شأنه حتى يصل بهذا الشعب إلى تحقيق الهدف المنشود له، فلكل مجتمع أهدافه وأمانيه ومثله العليا، ولابد من قوة معينة توجه الجماعة نحو تحقيق هذه الأهداف وتراقيها وهذه القوة إنما تتركز فيما نطلق عليه اسم (السلطة السياسية) العليا في الجماعة، فالمجتمع والسلطة أمران متلازمان، ولا يمكن أن يوجد مجتمع متحضر بدون سلطة عليا، ونجد دائماً أن السلطة تختلف باختلاف الجماعات فقديماً كان السلطات مطلقاً ومن ثم لم ترتبط المسؤولية السياسية بالسلطة ولكن بعد ظهور الديمقراطيات الحرة ظهرت فكرة المسؤولية كقيد على السلطة تمنعها من الاستبداد بالسلطة، وأساس ذلك أن البرلمانات في الأصل كانت مجالس استشارية للملوك يدعونها للانعقاد ويحلونها كما يشاؤون، ومع الزمن تحولت هذه المجالس إلى مجالس نيابية وتطورت اختصاصاتها وأصبحت سلطة مستقلة تتولى مهمة التشريع، وكان نتيجة لتدخل الدولة بشكل كبير في النشاط الاقتصادي والاجتماعي وانتهى بذلك عهد الدولة الحارسة التي كان نشاطها يقتصر على تنظيم وإدارة ثلاث مرافق (الجيش والشرطة والقضاء) وبدأ عهد الدولة الراعية وكان ذلك منذ عام 1914 أي منذ مطلع القرن العشرين وترتب على تدخل الدولة اتساع مجالات السلطة وتحول في طبقات المجتمع ومؤسساته السياسية، فاهتز الثبات التقليدي المسيطر على مؤسسات الدولة ومن ثم اختل التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لصالح الأخيرة وتدهور دور البرلمانات. ومع الزمن والتطور فقد بقى حق الملوك في حل المجلس قائماً ولموازنة حق الحاكم في الحل لهذه المجالس النيابية قامت المسؤولية السياسية كسلاح في يد البرلمان يستعمله ضد السلطة إذا نزعت نحو الديكتاتورية.