منذ نشوء الدولة القومية في أوربا في القرن السابع عشر، عُدت السيادة ركناً مهماً من أركان الدولة الحديثة –إلى جانب الاقليم والشعب والحكومة- وصفة ملازمة لسلطاتها العامة على أقليمها ورعاياها. ومنذ ذلك الحين أصبحت السيادة الغاية التي نشدتها الشعوب في نضالها سبيلاً لنيل حريتها وأستقلالها ، ومحوراً للصراع بين القوى السياسية للاستحواذ على السلطة الآمرة، تمثل بالصراع بين السلطة الملكية والبابا في عصر الكنيسة من جهة ، والسلطة الملكية وأمراء الاقطاع –في عصر الاقطاع- من جهة ثانية، والذي أنتهى لصالح السلطة الملكية، لتصبح السيادة حينئذٍ صفة لصيقة بشخص الملك، مؤسساً بذلك سلطاناً مطلقاً ومفضياً إلى اندلاع الصراع ما بين النظم الملكية المطلقة والشعوب مع قيام الثورة الفرنسية التي أشاعت رياح التغيير في أوربا مؤدية إلى حسم الصراع لصالح الشعوب لتصبح السيادة، سيادة شعبية. لذلك عرفت السيادة بأنها حرية الدولة في التصرف داخل حدودها القانونية ، دون أن تشاركها في أختصاصها أية سلطة أخرى، إذ جسدت السيادة مانعاً قانونياً بوجه كل محاولات التدخل في شؤون الدولة الداخلية أو الخارجية، بما في ذلك علاقة الدولة برعاياها وطبيعة نظام الحكم والكيفية التي تصرف بها سياساتها الوطنية أو الدولية، وعلى الوجهة التي ترتأيها.غير أنه ونتيجة للتحولات التي شهدتها المنظومة السياسية الدولية ، وما ترتب عليها من تغيير في موازين القوى الدولية بتفكك الاتحاد السوفيتي ، والاحادية القطبية وما نتج عنها من مدخلات دافعة للتغيير على نحو سريع وغير مسبوق والتي تمثلت بطرح قضايا حقوق الانسان والديمقراطية شعاراً وسلاحاً سياسياً من لدن دعاة النظام العالمي (الجديد) ، فضلاً عن قضايا نزع السلاح وعولمة الاقتصاد، والتطور المعرفي في مجال التقانة ، والتي أفضت إلى توحيد العالم ، وتزايد الاعتماد المتبادل بين أجزائه على نحو جعل من الحدود القانونية للسيادة أقل مناعة في مواجهة الاختراق، إذ أفضت آليات التغيير في ظل العولمة إلى فقدان الحدود السياسية للدولة لجدواها ومانعيتها أزاء موجة التغيير، بحيث لم تعد السيادة صفة مطلقة ، ومقتصرة على السلطات الحكومية في الدولة ، بل أصبح لها شركاء في سلطانها على أقليمها ومواطنيها ، وسياساتها الوطنية لصالح لاعبين جدد إلى جانب الدولة كالمنظمات الدولية والشركات المتعدية الجنسية، إذ باتت السيادة في عالم ما بعد الحرب الباردة جزءاً من السيادة العامة للمجتمع الدولي، بالاضافة إلى كونها سيادة مقيدة بحدود القواعد الدولية الآمرة، وهو ما أشر تراجع في وظائف الدولة وفي خصائص سيادتها ، بحيث لم تعد تتميز بالمنعة والاستقلال في تصريف شؤونها الداخلية والخارجية ، على نحو أصبح فيه تدخل المجتمع الدولي تحت راية الامم المتحدة، أمراً مألوفاً في حقبة ما بعد الحرب الباردة ، وهو تحول لا يمكن عزله عن مجمل عملية التغيير التي شهدتها المنظومة الدولية.