أخذ الاهتمام بالتنمية كمفهوم وممارسة يتزايد منذ النصف الثاني من القرن العشرين بعد إزدياد عدد دول العالم الثالث التي دخلت المسرح الدولي كدول مستقلة، على الرغم من تحفظنا الشديد على هذا الوصف كون ان الكثير من مظاهر الاستقلال والسيادة لم تستكمل وبقيت مرتبطة بالمركز الرأسمالي ولا سيما في الجانب الاقتصادي فضلاً عن أن مفهوم الاستقلال والسيادة نفسه لم يعد مفهوماً مطلقاً حتى بالنسبة لدول متقدمة، وعليه فان دول العالم الثالث أرادت بالتنمية أن تكون استكمالاً لمشروعها السياسي المتمثل بالدولة الراعية وأن تحقق به قدراً من الاستقلالية والإدارة الذاتية لمواردها وطاقاتها بحيث شرعت بتكثيف التدخل الحكومي في أغلب مفاصل الاقتصاد الوطني متخذة من الإنموذج الاشتراكي منهاجاً سياسياً بحكم التأثر بالتجربة السوفيتية التي حققت انجازات مذهلة في هذا المجال في سنين عمرها الأولى. وعلى هذا الاساس، شهد ادب التنمية الاقتصادية، على الصعيد النظري، ومنذ أكثر من خمسة عقود من الزمن تراكماً هائلاً ومستمراً في الدراسات والخبرات التي تؤكد على أهمية زيادة الاستثمار في توسيع الطاقات الانتاجية وزيادة معدلات التشغيل وإقامة البنية الاساسية، ولم يقتصر هذا التراكم على تناول جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية ومؤسسية معينة او البحث المستفيض في حالات خاصة وصفات منفردة كما في الاقتصاد النفطي بل تطورت نوعية هذه الدراسات واساليبها في التحليل لابراز التفاعلات الاقتصادية وغيرها المحلية والاقليمية والدولية المؤدية الى تخفيف او تكريس مظاهر التخلف السائدة فيها، وقد زاد من ثراء ادب التنمية الاقتصادية وبلورته وضوح العلاقات فيما بين النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية وتنمية الموارد البشرية وحماية الموارد الطبيعية (الناضبة) وبروز مفهزم التنمية المستدامة في بدايات العقد الاخير من القرن الماضي، ومع ذلك بقيت الحاجة للمزيد من البحث والتحليل في مشكلات النمو الاقتصادي والبطالة والتنمية الاجتماعية والبيئية ولاسيما وان الانتفاع من التحليلات النظرية والاكاديمية في صياغة السياسات الحكومية لمعالجة هذه المشكلات بقي محدوداً لتعثر تطبيقها إما لعموميتها الزائدة أو لإنها ليست واقعية أو لأسباب سياسية تتعلق بغياب الحريات الاقتصادية. والواقع ان تجارب التنمية تنطوي على تفاصيل عديدة متشابكة وتشمل العديد من العوامل والاعتبارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والادارية والقانونية والتنظيمية والثقافية والفكرية ..الخ، التي تتفاعل فيما بينها بشكل يصعب في كثير من الأحيان على محاولات التنظير تحديد العوامل الأكثر أهمية في تقرير محصلتها العامة دون أن يكون في هذا الفهم دعوة للتنصل من أهمية وجود اطار نظري تحليلي أو تجاهل تجارب الاصلاح الاقتصادي الكثيرة أو إغفال لأهمية جهود تطوير اقتصاديات السوق الوطنية والاسراع بدمجها في الاقتصاد العالمي بقدر ما هو إقرار بتنوع وثراء تجارب التنمية والتي قدمت تفاصيل مختلفة لشروط وظروف تحقيق مجتمع الرفاهية سواء بالاعتماد على دور الدولة أو إطلاق الحريات الاقتصادية والمراهنة على دور السوق في تحقيق التنمية والتطور.