العولمة وانعكاساتها على الأمن القومي العربي

number: 
1697
عربية
Degree: 
Author: 
أياد رشيد محمد الكريّم
Supervisor: 
أ.م. د.عمر العبد الله
year: 
2013

حفلَ القرن العشرون بالعديد من الأفكار والنظريات السياسية التي تم الترويج لها في مختلف أنحاء العالم، ومنها ما كلف البشرية ملايين القتلى بسبب حربين مدمرتين. وفي الثلث الأخير من ذلك القرن، وتحديداً بعد منتصف الثمانينات من القرن الماضي، ظهر تيار جديد في اتجاهات التفكير على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في العالم، محتواه أنَّ العالم يتحول إلى قرية كونية صغيرة تعيش ضمن سلوكية ونمط حياة موحد، وهذا الاتجاه اتفق على تسمية العولمة، جراء تطبيقات التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات والمواصلات وما رافقها من تسارع في حركة الاموال والبشر والمعلومات.مع انتهاء الحرب الباردة عام 1991، ساد هذا الاتجاه كل مستويات التعامل الدولي، مدعوماً من القطب الأوحد في العالم – الولايات المتحدة الأمريكية – فضلا عن الاتحاد الأوربي واليابان. مرجع ذلك، أن السيادة في مرحلة العولمة انما تتحقق للطرف القوي الذي يمكنه ان يملئ المحتوى السياسي والاقتصادي والثقافي العالمي، وان يفرض انموذجه على باقي الاطراف طالما ان الجميع سيعمل في ظرف نظام منافسة حرة واحد مفتوح بلا قيود، وهذه المعايير ستضع القوى الغربية الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة على قمة الهرم الدولي في حالة انفتاح العالم على العولمة بسبب ما تملكه من عناصر قوة عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية. وقد ساعد في سيادة تيار العولمة هذا التطور التكنولوجي الهائل المتسارع، وثورة المعلومات والاتصالات التي دخلت في كل صعيد، وصار تحول العالم فعلاً إلى قرية صغيرة.أنّ اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى دعم تيار العولمة انما تريد به تغيير ثقافات العالم وقيمه الحضارية والدينية وإحالتها إلى تابعة للسلوكية الغربية والأمريكية، كما ورد على لسان كبار منظريها، مثل فوكوياما وهنتغتون وبريجنسكي وغيرهم، بحكم الفرق الواضح في الامكانات بين الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم.وفي محاولتها لفرض العولمة، اتجهت الولايات المتحدة إلى اعتبار أن "العدو" القادم للغرب بعد الشيوعية هو الإسلام، بمعنى انها اتجهت للاىستفادة من العولمة في اكتشاف عدو يبرر سلوكيات الولايات المتحدة ومعها الغرب عامة في الانفاق العسكري الضخم على هذا "العدو"، ثم الاتجاه الى عولمته وعولمة مخاطره. وحينما بدأ تيار العولمة يجتاح العالم، ومنه النظام الاقليمي العربي، أوائل العقد التاسع من القرن العشرين، كان الأمن القومي العربي في حالة من الضعف والتردي، وذلك لسيادة الانقسام واللامبالاة بين الدول العربية، وهيمنة السياسات القطرية بدلاً من الوحدة والتعبير عن دول النظام الاقليمي العربي كافة. وفي الوقت الذي كان فيه العالم يتطور مستفيداً من ثورة التكنولوجيا، كان عددٌ من الدول العربية يعيش حالة حروب ودمار وجهل وفقر وتخلف، مما فاقم التهديدات والتحديات التي يواجهها الأمن القومي العربي.فضلاً عن ما تقدم، فإن القوى الفاعلة في النظام الدولي ترفض الاعتراف بنظام عربي موحد وتحرص كل الحرص على إقامة علاقات منفردة مع كل دولة قطرية عربية وليس مع هذه الدول مجتمعة، وقد تقبلت الدول القطرية هذا الواقع، وعدته بعضها مكسباً لها وشرعية تضاف إلى رصيدها، مع الإشارة إلى أن التعامل الفردي أو القطري مع التكتلات الجغرافية السياسية الكبيرة لا يمكن أن تكون نتائجه إيجابية ولصالح الشعوب العربية بل على حسابها بالدرجة الأولى، لاعتبارات تتعلق بالترابط ما بين الامنين القطري والعربي عامة.
ان عدم اعتراف القوى الفاعلة في النظام الدولي بوجود وطن عربي انما هي تتعامل مع دول في النظام الاقليمي العربي كلا على انفراد، يشكل مدخلاً لمزيد من التجزئة والتفتيت. بمعنى تهديد الأمن القومي العربي وعدم استقرار المجتمعات العربية ومؤسساتها الاجتماعية والسياسية والثقافية، والحفاظ على قيم المجتمعات ومبادئها وأصالة انتماءاتها الفكرية والعقائدية، وسلب أراضيها ونظمها السياسية، واستقلالها وسيادتها.لذلك، ينبغي على العرب مواجهة التخلف، والتفاعل الايجابي مع العولمة، بفهمها أولاً وإدراك طبيعتها وتداعياتها ثانيا، ثم التسلح بالعلم والإفادة من معطياتها الإيجابية المتمثلة بالثورة العلمية والمعلوماتية والاتصالية لغرض احتوائها، واخذ ما هو ايجابي منها لصالح الأمة العربية، ومواجهة سلبياتها بتطويقها والحد من آثارها على سيادة الدول العربية وأمنها.