سياسة روسيا الاتحادية تجاه العراق (2003-2010م) وآفاقها المستقبلية

number: 
1620
عربية
Degree: 
Author: 
بان فوزي داود الدليمي
Supervisor: 
الأستاذ الدكتور فكرت نامق عبد الفتاح العاني
year: 
2012

احتلت المنطقة العربية ومنها العراق أهمية كبيرة في الستراتيجيات العالمية، وذلك يعود للقيمة المتزايدة التي تحقق ولا تزال تتمتع بها هذه المنطقة، على المستويين الأثري والدولي سواء بفعل موقعها الجغرافي المتميز من الناحيتين الجيولجية والستراتيجية، الذي يشكل عامل استقطاب مهماً للقوى الدولية، ولامتلاكها أهم موارد الطاقة في العصر الحديث ـ إذ عززت استمرارية بصعيد الاهتمام والتأثر الدولي فيه ـ فباتت هذه المنطقة وفيها العراق محوراً أساسياً من محاور الصراع والتنافس الدولي من استراتجيات القوى العظمى، ومجالاً حيوياً لتطبيقاتها الجيولوجية، لاسيما مع توافر أهم العناصر المادية (النفط ورأس المال) لعملية التنمية والنهوض القومي فيه.هذا الأمر جعل المنطقة العربية وضمنها الخليج تاريخياً محوراً مهماً من محاور الصراع الستراتيجي مع القوى الدولية التقليدية، فقد عدت روسيا القيصرية منطقة الخليج العربي منفذاً حيوياً تطل من خلاله على المياه الدافئة، مما صعد من حده الصراع الدولي روسيا القيصرية وبريطانيا حولها، إذ اتخذ الصراع طابعاً عقائدياً أثر قيام الثورة البلشفية بعد الحرب العالمية الأولى. ولاسيما في مراحلها الأولى وهي التوجه نحو بناء قوة سوفيتية وامتداد النفوذ إلى أوربا .ان حلم الوصول إلى المياه الدافئة ظل حقيقة راسخة عند الاتحاد السوفيتي خاصة الإعلان عن قيام العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي والعراق في أيلول عام 1944، وهو أول ارتباط سوفيتي مع دولة خليجية، مدفوعاً باعتبارات القرب الجغرافي من الاتحاد السوفيتي ورغبة في زيادة التبادل التجاري. لكن سرعان ما توترت العلاقات بين البلدين على أثر ارتباط العراق بحلف بغداد الذي عدهُ الاتحاد السوفيتي تهديداً لأمنهم القومي، لذلك انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين في عام 1955، إلا أن ثورة 14 تموز عام 1958 إعادت العلاقات السوفيتية ـ العراقية مرة أخرى وبدأ التعاون في كل المجالات ولاسيما بعد تزايد قيمة النفط في الخليج العربي الذي ترافق مع تحول في ميزان القوى التقليدية من صيغة التوازن القائم على التكافؤ الستراتيجي بين فرنسا وانكلترا إلى التوازن النووي بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، إذا تصاعدت قيمة الخليج العربي من جديد في حسابات القوى الدولية الجديدة بفعل الدور الحاسم الذي بدأ النفط يلعبه في الصراع بين هذه القوى، فقد أثر ذلك بالمفاهيم السوفيتية للقوى الدولية، إذ نقل تفكيرها من التعامل مع هذه المنطقة على أنها خط دفاعي أمامي عن مصالحها، إلى نقطة وثوب وانطلاق لقلب الوطن العربي، فصار التعامل معها على أنها منطقة تمركز لمصالحها الحيوية دافعها القومي.لقد شكل عام 1968 نقلة تاريخية في مسار علاقات الاتحاد السوفيتي في العراق ، إذ عبر السوفتيون عن مساندتهم له ودعمهم لمواقفه إزاء القوى الغربية، وترجم هذا التعاضد في المواقف على شكل معاهدة الصداقة والتعاون عام 1972، والتي عدت بمثابة حجر الزاوية في علاقات البلدين، واستطاع الطرفان من خلال المعاهدة الاستفادة في عشرات المشاريع وزيادة حجم التبادل التجاري والعسكري وحتى الفني والثقافي طول عقد السبعينات من القرن الماضي.ومع بداية عقد الثمانينات اندلعت الحرب العراقية ـ الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات. فقد اتخذ السوفيت موقف الحياد إزاء الحرب، إلا أن هذه الموقف الرسمي لم يتطابق مع الواقع دائما، إذ تراوح بين تأييد أحد الأطراف على حساب الطرف الآخر، كما سعى إلى كسب الطرفين معاً في آن واحد في أحيان أخرى.ومع مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي وبفعل حدوث تغيرات كبيرة في النظام السياسي الدولي. وما حملته أحداث 2 أب 1990 من تداعيات، حدث تغير جوهري في السياسة الخارجية السوفيتية تقوم على إنهاء المواجهة مع النظام الرأسمالي العالمي والسير في اتجاه الغرب الذي تجسد من خلال تأييد السوفيت لقرارات مجلس الأمن إزاء العراق نتيجة الفعل العراقي حيال الكويت، من خلال تأييد السوفيت لقرار مجلس الأمن 678 عام 1990 الذي أتاح للولايات المتحدة الأمريكية استخدام القوة العسكرية ضد العراق.ومع انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي في نهاية 25 كانون الأول عام 1991، أصبحت روسيا الاتحادية الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي إذ تمتعت بمقعد دائم في مجلس الأمن معلناً عن ترسانة نووية ضخمة وبدأت التركيز على الاعتبارات النفعية بدلاً من الاعتبارات الايديولوجية، وسعت إلى تبني سياسات تتوافق وتنسجم مع السياسات والتوجهات الغربية بشكل عام، ممّا أثر على توجه روسيا الاتحادية نحو العراق ضناً منها أن إقامة علاقات قوية مع الغرب والولايات المتحدة سيعود عليها بالفائدة مما دفعها إلى تهميش بقية دول العالم ومناطقه، ومن ضمنها منطقة الخليج العربي وبخاصة العراق، وبعد مرور مدة من الزمن اكتشفت روسيا خطأ توجهاتها وخطرها على أمنها القومي وذلك بحدوث عدة متغيرات داخلية وإقليمية ودولية، دفعت بالنتيجة إلى التخلي عن السياسات التي اتبعتها في بداية ظهورها وتبني سياسات تقوم على أساس الموازنة تحقيقاً لأكبر قدر من المنفعة السياسية والاقتصادية لها، خاصة بعد عام 1995، تاريخ التحول الروسي في السياسة الخارجية، إذ أخذت سياسة المولاة للغرب تتراجع، وبدء الاتجاه نحو الحلفاء القدامى وفي مقدمتهم العراق لاسيما مع وصول التيار الشيوعي القومي في روسيا إلى السلطة الذي طالب برفع الحصار المفروض على العراق لاسيما بعد تولي (يفجييني بريماكوف) منصب وزير الخارجية عام 1996، إذ حدث تغير إزاء السياسة الخارجية تجاه العراق وبدأت روسيا الاتحادية تخطو موقفاً أكثر قرباً من العراق، ودعمه في الأمم المتحدة ومطالبتها برفع الاقتصادي عنه.دفع مجيء الرئيس الروسي (بوتين) على رأس السلطة 2000 إلى موقف أكثر تفهماً وايجابية أكثر تجاه العراق، إذ بدأت روسيا الاتحادية تتبنى موقفاً لصالح العراق وأخذ نفوذ تحركات لرفع بعض العقوبات المفروضة عليه، فبدأت الزيارات الرسمية والدبلوماسية والوفود البرلمانية لزيارة العراق، وفضلاً عن التبادل التجاري واستيراد النفط العراقي، بالإضافة لموقفها في الأمم المتحدة المطالب برفع العقوبات، وكذلك موقفها الذي سبق احتلال العراق إذ عارضت الحرب ورفض احتلاله، ولقد شكل احتلال العراق في نيسان عام 2003 تاريخاً فاصلاً في مسار العلاقات الروسية ـ العراقية وما حملته هذه المرحلة من تغيرات مهمة على الصعيدين الإقليمي والروسي. واستمرت هذه السياسة حتى بعد وصول (ميدفيديف) إلى السلطة عام 2008 ومازالت في تطور .