تمارس السلطة التشريعية مهاما دستورية محددة تتمثل بالتشريع وإقرار الميزانية والرقابة على السلطة التنفيذية والمسائلة والاستجواب, وفي الوقت نفسه تبلور تصورات نخبة المجتمع ومواطنيه ليس في القضايا السياسية فقط وإنما في مختلف نواحي الحياة, ويظهر دور السلطة التشريعية جليا في عملية صنع السياسة العامة من خلال المناقشات التي تجري في جلسات المجلس وفي لجانه الفرعية التي تهدف إلى التعرض لمشكلة عامة بغية التوصل إلى حل مناسب لها. ويحدث هذا على وجه الخصوص عندما يكون تشكيل المجلس قائما على المنافسة الحزبية النزيهة، بعيدا عن ثقافة هيمنة حزب السلطة أو كتلة الأغلبية. وهذه أسمى ما تتجلى به السلطة التشريعية، فهي احد الصناع الرئيسيين للسياسة العامة، وتمارس دورها من خلال ما تتمتع به من صلاحيات دستورية للتصرف واتخاذ القرارات دون انتظار تفويض من أي جهة رسمية أخرى, فهي تتناول السياسة العامة بالتشاور والتباحث بكونها معبرة عن مواقف وآراء الشعب. وقوانين السياسات العامة والقواعد التي بصدد تشريعها لابد وان تحظى بموافقة السلطة التشريعية قبل أن تصبح نافذة.يتباين دور السلطة التشريعية في عملية صنع السياسة العامة في النظم السياسية العربية من دولة إلى أخرى، لكنها على وجه العموم تعاني من سطوة السلطة التنفيذية رغم دعوات الإصلاح السياسي والدستوري التي أطلقت، والإجراءات التي اتخذت في هذا المجال، فالممارسة الفعلية مازالت تشير إلى سيطرة الحزب الحاكم على مجريات العملية بكليتها وتدخل السلطة التنفيذية في اقتراح مشاريع القوانين. ويستوي الأمر في الأنظمة الرئاسية والبرلمانية سواء بسواء. فكلا النظامان يمتازان بهيمنة حزب واحد على الحياة السياسية، بعضها محاطا بأحزاب ضعيفة مما يصّعب الأمر على البرلمان في أدائه لمهامه الدستورية على الوجه الأكمل. وينطبق على الأنظمة التقليدية التي لا تسمح بوجود أحزاب سياسية تمارس دورها الحقيقي، فتتجمع السلطات بيد الحاكم (رئيسا كان أم ملكا أم أميرا) يمارسها بأسلوبه الشخصي الذي لا يسمح للقطاعات المؤسسية بأي دور رئيس أو مستقل يمكن أن تمارسه. فمؤسسة الرئاسة هي المحور الرئيس في الدولة، وهي صاحبة القرارات المهمة. وهي لذلك غير مقيدة بالضوابط الدستورية التي تنظم عمل المؤسسات السياسية. بل إن الدستور صمم لتوفير الدعم بشكل أو بآخر لهذه المؤسسة من خلال المواقف المتخذة من قبلها وفق التقدير الشخصي للحاكم مدعوما بالنصوص الدستورية .وعلى الصعيد نفسه، ورغم السماح بوجود مؤسسات للمجتمع المدني، إلا أن نظرة السلطة إليها مازالت تحمل معاني التوجس والحذر، لذلك فهي تخضعها للرقابة، وكثيرا ما تتخذ بحقها إجراءات تهدف إلى ضبط حركتها بترسانة من التشريعات تحد من فعالياتها وأنشطتها التي وجدت من اجلها، أو باتخاذ قرارات بحلها تحت أسباب وذرائع شتى. ناهيك عن أساليب الاختراق والهيمنة التي تمارسها أحزاب السلطة بهدف تسخيرها لصالح أهدافها، أو تفريغها من مضمونها وتركها خاوية لا تأثير لها على قرارات الحكومة أو مجمل عملية صنع السياسة العامة، سواء كان على صعيد السلطة التنفيذية أم السلطة التشريعية.وباتخاذنا للأردن كأنموذج لأطروحتنا، سنجد أن الحال فيه لا يختلف كثيرا عن سائر الدول العربية. فالمشرع الأردني اعتمد مبدأ جمع السلطات وتركيزها بيد الملك, فضلآ عن إناطة السلطة التنفيذية به, منح صلاحية التشريع جنبا إلى جنب مع البرلمان. الأمر الذي أدى إلى سيطرته على السلطتين التنفيذية والتشريعية في آن واحد. مما نتج عنه تدخل واضح في العملية التشريعية ومنافستها في اختصاص هو حكر عليها. والأكثر من ذلك، تدخل الحكومة في عمل البرلمان من خلال فرضها جدول أعماله في اطار التعاون بين السلطتين.إن الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في الأردن ليست بأفضل حال من تلك الموجودة في دول عربية أخرى. فعلى رغم من أن الأردن عرف الحياة الحزبية قبل نشوء الدولة، إلا أن أغلبها عجز عن تحقيق حضور فاعل على الساحة السياسية، والأكثر من ذلك، عجزها عن لعب دور مؤثر في عملية صنع السياسة العامة. فالمؤشر على هذه الأحزاب خسرانها لمقاعدها النيابية لصالح المرشحين المستقلين وخصوصا مرشحي العشائر التي تدين بالولاء المطلق للملك. أما مؤسسات المجتمع المدني، فهي الأخرى ظهرت مع تأسيس المملكة الأردنية. ولكن برغم من ذلك، فإن دورها لا يزال مقتصرا على الأعمال الاجتماعية والتنموية البسيطة نتيجة ما تعانيه من تضييق ومعوقات قانونية تربك عملها.