الأداء الإستراتيجي الأمريكي بعد العام 2008 " إدارة باراك أوباما أنموذجاً "

number: 
1759
عربية
Degree: 
Author: 
الأداء الإستراتيجي الأمريكي بعد العام 2008 " إدارة باراك أوباما أنموذجاً "
Supervisor: 
أ.م. د. محمد كريم الدفاعي
year: 
2014

تعد الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأكثر تأثيراً في السياسة الدولية المعاصرة، لما تمتلكه من مدخلات القوة والتأثير ضمن أداء إستراتيجي منضبط ، والمرتكن إلى عقيدة تُسَير الماكينة الأمريكية بمجملها نحو هدف واحد ألا وهو التربع على قمة الهرم الدولي. إذ لا تكاد ترتكن الولايات المتحدة الأمريكية لعقيدة تحدد مسارها وأسلوب عملها حتى ترهن أهدافها دفعة واحدة عند مطلبها الكوني وهو التربع على قمة الهرم الدولي، الأمر الذي فرض على إداراتها المتعاقبة التلون في أدائها الإستراتيجي الشامل للوصول إلى غايتها العالمية، والتي لطالما جهدت ذاتها في تسخير كل ممكناتها بالاتجاه الذي يصب في تحقيق تلك الغاية .
وتبعاً لذلك، تشكل القوة الإستراتيجية الأمريكية بمفهومها الشامل، مضمون ذلك الأداء الإستراتيجي الأمريكي، الذي تبلور بشكل تدريجي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية صعوداً إلى يومنا هذا، إذ عمدت مجمل الإدارات الأمريكية على تشغيل كل مفاعيل قوتها الإستراتيجية، وتوظيفها عبر أداء إستراتيجي تميز بالمرونة وعلى نحو يؤمن انسيابية حركته الخارجية لتقودها بالمحصلة إلى تحقيق الأهداف الكونية للدولة الأمريكية .
إن معظم الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الحكم في الولايات المتحدة ، إن لم نقل مجملها، كانت قد عملت على تعلية خيار القوة كدرب للقيادة والريادة العالميتين، عبر سياسة الانغماس المكثف في التفاعلات العالمية، مُدعومة بنسبة مهمة من مواردها المتاحة، إبتغاءاً لترتيب ظروف بيئتها الخارجية على ذلك النحو الذي يساعدها على رفد سعيها المستمر نحو تحقيق تلك الأهداف العليا التي ينطوي عليها مفهومها الذاتي لأمنها القومي، وبعناصر فاعلة مُضافة. وإتساقاً مع الإدارات الأمريكية السابقة، وسعيها في حفظ المكانة الأمريكية العالمية، في قمة الهرم السياسي الدولي، عمدت إدارة باراك أوباما مُذ تسنمها السلطة خلال ولايتها الأولى في 20/يناير2009 إلى استبقاء تفعيل مدخلات القوة الأمريكية الإستراتيجية،وتوظيفها سعياً منها لاستدامة هدف الهيمنة الأمريكية عالمياً. اعتمد باراك أوباما القوة الذكية كآلية لأداء إستراتيجي أمريكي جديد، تم عنونته بذلك الأداء المتطلع إلى منهج التغيير الذي اتخذته الإدارة ذاتها شعاراً لها، والذي ما لبثت مضاعفاته أن أفصحت عن واقعه المفضي إلى أنه نهج تغييري ، أقتصر على الآليات فقط ، دون أن يمس واقع الأهداف الإستراتيجية المرصودة، فهذه بقيت ثابتة المضمون.
لقد سعت إدارة باراك أوباما إلى توظيف مجمل قوتها الإستراتيجية "الاقتصادية والعسكرية والمعرفية والتكنولوجية والثقافية– الاجتماعية " مدخلات أفضت بالنتيجة إلى تحولات في طبيعة آليات الأداء الإستراتيجي الأمريكي في ظل السيولة التي اتسم بها هذا الأداء وخضوعه لمعطيات التغيير ليستند من ثم إلى القوة الذكية بشقيها الناعمة والصلبة، والعمل على توظيفها إستراتيجياً على الصعيد العالمي كونها الآلية الأنسب ليس في استعادة مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وسمعتها فحسب، بل لديمومة التربعالأمريكيعلىقمةالهرمالسياسيالدولي، في ظل تحديات دولية متجددة ومتغيرة أيضا. إن هذه التحديات التي تتجسد مثلاً في القوى الدولية الصاعدة، من جهة ، والترهل الذي بدأ ينخر بعض جوانب القوة الأمريكية، إثر التمدد العسكري الخارجي، والأزمات الاقتصادية التي تعصف بين فترة وأخرى بالاقتصاديات الدولية، ومنها الاقتصاد الأمريكي، من جهة أخرى، ناهيك عن تراجع سمعة الولايات المتحدة والثقة العالمية بها، كانت قد دفعت الإدارة الأمريكية باتجاه الحراجة الانتقائية للقوة الذكية، كآلية جعلت الدولة الأمريكية أكثر قدرة على إعادة أحياء قوتها الاقتصادية، والعسكرية بعض الشيء، فضلاً عن إعادة بناء الثقة العالمية بالولايات المتحدة، لإضفاء الشرعية الدولية على سياساتها وحركتها الدولية.وتبعاً لطبيعة تلك التحديات، تسعى الإدارة الأمريكية الجديدة ممثلة بإدارة باراك أوباما إلى تحقيق أهدافها الإستراتيجية عبر آليات جديدة لا تعطي أولوية للنهج العسكري" القوة الصلبة" في حسم الأمور لصالح الولايات المتحدة،وإنما تستعين أساساً بآليات أخرى تضع الثقافة والقيم الأمريكية والسياسة الخارجية المرنة "القوة الناعمة" في قمة سلم الأولويات الخارجية، وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة تغييب دور القوة الصلبة وأهميتها في الأداء الإستراتيجي الأمريكي، بل التناغم فيما بينهما، وبما يفضي إلى وحدوية التوظيف لكلتيهما.
فالذي يتتبع الأداء الإستراتيجي الأمريكي الخارجي منذ وصول أوباما إلى الحكم عام 2009، يراه يعول كثيراً على السلوك الذي يكون بعيداً عن استخدام القوة العسكرية.ولكن من دون إغفالها، إذ لا تضع إدارة أوباما القوة الصلبة في المقدمة ولا تتخلى عنها، بل تنتهج آلية أداء جديدة يتم التناغم فيها مابين القوة الصلبة والقوة الناعمة لتتولد لنا آلية أداء جديدة هي القوة الذكية Smart Power ، والتي مثلت المرتكز الأساس للأداء الإستراتيجي الأمريكي في ظل عهد إدارة الرئيس باراك أوباما .
وعلى الرغم من بعض التناقضات الواضحة لمفهوم القوة الأمريكية، قوة صلبة وأخرى ناعمة، فإن أوباما أدرك جيداً في ضوء الاستنجاد بدفق فكري من الخبراء والمستشارين تحديد الإطار للكيفية التي على الولايات المتحدة أن تعظم فيها هذه القوة لتسد من خلالها منافذ الاختراق. وتحقيق أهدافها الدولية المتوخاة بأقل الأكلاف المقبولة. يتقدمها هدف اعتلاء قمة الهرم الدولي، مع الاحتفاظ بهذا الهدف والإمساك به لأطول فترة ممكنة في مستقبل الدولة الأمريكية .