المتغير الاقتصادي والصراع الدولي

number: 
1220
عربية
Degree: 
Author: 
وليد خالد حسين
Supervisor: 
الدكتور صالح عباس الطائي
year: 
2010

منذ فجر التاريخ أدرك الإنسان عدم إمكانية تحقيق أهدافه أو توفير الحماية لذاته بمفرده، فكانت أنظمة السلطة في التجمعات البشرية الأولى من أوضح التعبيرات عن هذا الإدراك، فحاجات الإنسان ورغباته لا يمكن مواجهتها بجهوده الفردية، كما إن تهديدات البيئة الخارجية لا يمكن مواجهتها بجهود ذاتية متواضعة، لذا برزت التجمعات الأولى رد فعل على محدودية القدرات البشرية في تحقيق الأهداف أو في مواجهة التحديات. وبرزت أنظمة السلطة لتقنن وتحكم سعي أعضائها لانجاز أهدافهم في إطار أوسع بما يضمن الانسجام بينهم ويكثف جهودهم لتحقيق مصالحهم المتبادلة في ظل سلطة توفر الحماية والإطار السياسي لمنظومة العلاقات والمؤسسات الاقتصادية القائمة بمواجهة تهديدات صادرة من تجمعات بشرية أخرى. إن الحاجة إلى مركزة السلطة مع صلاحيات وقدرات اكبر افرز تحول التجمعات البشرية إلى وحدات سياسية أساس للانتماء وإطار للحماية فقد تطورت لتصل إلى أوضح أشكالها مع نشوء الدولة القومية، ولم يقف شكل التطور عند هذا الحد، فبصورة عامة ارتكز على أساس الحاجة لوجود وحدات سياسية، لضمان امن المكتسبات الاقتصادية لمجموعة معينة إلى جانب تقنين وتنظيم العلاقات بين أفراد هذه المجموعة والعمل على تدعيم مصالح وأهداف هذه المجموعة بمواجهة
مصالح وأهداف الجماعات الأخرى في إطار تنظيم سياسي أوسع يجمع قدرات الأفراد المحدودة في إطار أوسع وأكثر قدرة. الصراع بين الدول بصورة عامة وصراع القوى الكبرى بصورة خاصة أثر بشكل كبير على طبيعة العلاقات الدولية وعلى الهرمية الدولية لخارطة القوى المهيمنة عليه ، بما افرز نظمًا دولية تشكلت وفق مصالح ورؤى القوى التي انتصرت في تلك الصراعات ، الى جانب ذلك ، لعب الصراع الدولي دورًا هامًا في اعادة توزيع الثروات الاقتصادية ، والتي شكلت في معظم مراحل التاريخ ، الاساس والسبب في اندلاع تلك الصراعات .نتائج وافرازات الصراع الدولي غالبًا ما القت بضلالها وتاثيراتها على عدد العديد من الاطراف من خارج دائرة الصراع ، فالطبيعة المعقدة والمتشابكة للصراع الدولي وعدم امكانية التنبوء بمخرجاته في المدى القريب قاد الدول الى تبني واحد او اكثر من انماط التفاعل فمن الدول من سعى الانغماس في مجرياته لتحقيق مصالحها وتوسيع مكتسباتها، او الى تجنب الدخول في تفاعلاته لتلافي الاثار السلبية وعدم تحميل مجتمعاتها تكاليف اضافية وخسارة موارد مهمة هي بحاجة اليها في مجال التنمية ، وبين نمطي التفاعل هذين ، تبنت دول اخرى انماط تفاعل مختلفة ومتباينة تبعًا لامكاناتها ، اهدافها ، طموح قادتها ، عقائدها السياسية وانماط تحالفاتها. لقد أدركت الوحدات السياسية المنظمة لتجمعات الأفراد والجماعات أن تحقيق أهدافها لا يمكن أن يتم من دون اخذ أهداف باقي الوحدات بالحسبان، بما افرز ظاهرتين متناقضتين في علاقات هذه الوحدات، الأولى: يتضمن الحاجة إلى تنسيق الجهود مع الوحدات السياسية الأخرى لتحقيق مستوى معين من الأهداف مع الحفاظ على قدراتها وإمكانياتها من الاستنزاف وضمن مستوى مقبول من أهداف الطرف الآخر بما يشجعه على تبني أهداف لا تتناقض وأهداف الوحدة السياسية، الثاني: يتضمن توظيف القدرات والإمكانيات المتاحة والمتوفرة وصولا لمستوى اكبر من عوامل القدرة في إطار تناقض الأهداف والمصالح، فالانسجام قد يكون نادرًا في ظل سعي كل طرف لتحقيق أهدافه وتوسيع مصالحه على حساب الآخرين، وان نتائج دحر احد الخصوم قد يوفر حجم من الإمكانيات تعوض ما تم فقدانه في عملية تناقض المصالح. إذ أن الإدراك الأول أفرز ظاهرة التعاون الدولي من خلال سعي الأطراف لتحقيق الأرباح المتبادلة، أما الثاني فافرز ظاهرة الصراع الدولي من خلال سعي الأطراف لتحقيق كامل أهدافهم على حساب منع أو كبح جماح الآخرين من تحقيق أهدافهم، وبين هاتين الظاهرتين برز التنافس كشكل للعلاقات الدولية يجمع بين سمات الصراع والتعاون. وتعد ظاهرة الصراع الدولي من ابرز ظواهر العلاقات الدولية من حيث التعقيد والاهتمام، فتناقص السياسات الناتج عن تضارب المصالح، وانتهاج سلوكيات تعوق حركة الخصوم في سعيهم نحو أهدافهم، وتوظيف مجمل الموارد المتاحة لحسم نتائج التناقض إلى جانب استعداد العديد من الأطراف للتدخل بشكل سلبي أو ايجابي في مجريات الصراع، تعد من أهم المتغيرات التي تكسب الصراع الدولي سمة التعقيد، أما من ناحية سعة الاهتمام، فأن التفاعل المستمر للصراع وعلى مستويات عده وعدم اقتصار نتائجها وإفرازاتها على الأطراف المعنية بشكل يتجاوز ذلك إلى أفاق أوسع فلكل طرف عدد آخر من الخصوم، الذين يحاولون أيجاد دور فاعل لسياستهم في مجريات الصراع الدائر، بالإضافة إلى توافر العديد من الأفراد والأطراف على الرغبة في فهم أٍسباب وتفاعلات ونتائج الصراع الدولي لغرض وضع تفسيرات ونظريات أكثر قدرة وقابلية على التنبؤ بأسباب نشوب الصراعات واهم طرق التهدئة والتسوية والانتقال من المستوى النظري إلى المستوى العملي بالاستفادة مما تم التوصل إليه في إطار الاستخدام والتطبيق ، ومن هنا تنبع أهمية الدراسة.