توظيف فكرة المجال الحيوي في الاستراتيجية الأمريكية الشاملة

احتلت فكرة تكوين المجال الحيوي في الفكر الاستراتيجي الاميركي مكانة مهمة , فعــــــد بمثابة الحراك الاستراتيجي الذي من شأنه ان يُغذي الولايات المتحدة الاميركية بـ امكانيات هائلة , تمكنها من الاقتراب من تحقيق الامبراطورية الاميركية . وفي مقاربة تاريخية للادارات الاميركية نجدها وفي مختلف الحقب التاريخية عملت على تأسيس ذلك الامتداد الجيوبولتيكي , الذي ترافق ومع قــــــــدرة الاستجابة الاميركية للاحداث التي بـــــدورها مكنت الولايات المتحدة الاميركية من استثمار الفرص الناشئة في البيئة الاستراتيجية العالمية . وقد اعتمدت الولايات المتحدة الاميركية في تأسيس المجال الحيوي على عدد من النظريات والطروحات الفكرية وفقا لتتابعها الزمني بداءا من نظرية ماهان 1890 , مرورا بنظرية الفريد ماكندر 1904 , وصولا الى نظرية سبيكمان 1944 , ونتيجة للتطورات التكنولوجية ظهرت لنا نظرية الكسندر دي سفرسكي ودوهية ونظرية القوة الجوية . الا ان التطورات الاقتصادية التي انعكست عن الثورة التكنولوجية أفرزت آليات جديدة لتأسيس المجال الحيوي الاميركي في مناطق معينة وتعزيزه في مناطق اخرى غير الالية العسكرية التي اعتمدت عليها النظريات التقليدية . كما وشكل تفكك الاتحاد السوفيتي الفرصة الاستراتيجية نحو تأسيس وتعزيز المجال الحيوي الاميركي , اذ برزت الولايات المتحدة الاميركية كقـــــــــوة عالمية لامنافس لها وفي مختلف المجالات وعلى كافة المستويات العالمية والاقليمية , امسكت الولايات المتحدة الاميركية بمقود ادارة النظام الدولي الذي دعت اليه أبان انتصارها على الاتحاد السوفيتي , والذي ترافق مع بروز الطروحات الفكـــــــــــرية التي روجت لهذا الانتصار فكانت في مقدمتها اطروحة نهاية التاريخ التي بشرت بان الديمقراطية الليبرالية تمثل المرحلة النهائية للتطور الايديولوجي للجنس البشري والشكل النهائي لحكم الانسان , فكانت ولادة النظام الدولي الجديد من رحم الرؤى والتصورات الاميركية التي تعبــــــــر عن طروحات الدولة المنتصرة . وبعد ذلك طرح صموئيل هنتغتون على اثر الانهيار الجيوبولتيكي للاتحاد السوفيتي نظرية (صدام الحضارات ) التي تقوم على الالية الثقافية , والتي اتاحت للولايات المتحدة الاميركية من اظهار الحضارات الاخرى وكأنها حضارات معادية للحضارة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الاميركية , فكانت الفرصة التاريخية التي مهدت الى تعزيز المجال الحيوي الاميركي ليشمل مختلف مناطق العالم . ومع احداث 11 / ايلول 2011 وما شكلتــــــــــه من تحديات استراتيجية للولايــــــات المتحدة الاميركية والبيئة الاستراتيجية العالمية بشكل عام , وما ترافق معها من ثورة فكـــــــرية مسخرة مخرجات التطور المعرفي الهائـــــل , اصبحت فكــرة المجال الحيوي الاميركـــــي تأخــذ ابعـــادا مختلفـــــة تتمثل في طروحـــات العولمــــــــة , كما كانت عملية التوظيف للمجال الحيوـــــــــي متلازمة مع الهدف الاميركي في مواجهة الارهاب , الذي عُــــدّ الفرصة الامثل في توسيع الامتداد الجيوبولتيكي للولايات المتحدة الاميركية وبما يعزز الهيمنة الاميركية التي باتت تواجــــــه عدة اختلالات نتيجة بروز قوة طامحة الى لعب دور عالمـــــــــي , وتفاقـــــم الازمات الاقتصادية وتأثيرها على مكامن القوة العالمية , لذا اصبح تعزيز المجال الحيوي بنظـــــرة جيوستراتيجيــــــــة ضرورة اميـــــــــركية في الاستراتيجية الاميركية الشاملة . لذا تكمن أهمية توظيف فكرة المجال الحيوي في الاستراتيجية الاميركية من خلال تناول توظيف فكرة المجال الحيوي في أطار الاستراتيجية الاميركية الشاملة , وتتبع مسارات هذا التوظيف وتكيفه مع المتغيرات والتحولات البنيوية والهيكيلية التي اصابت البيئة الاستراتيجية العالمية , في سياق الكيفية والاليات المتبعة في تفسير سلوك التفكير الاستراتيجي الاميركي الذي يقتصر على حماية ذلك المجال الحيوي , بل يتعدى الى ايجاد سبل جديدة تُغذي ذلك الامتداد الحيوي وتعزز من مناطق ارتكازه الجيوستراتيجية وبما يهدف الى الهيمنة الاميركية وديمومتها . وتنبع اهمية هذه الفكرة من سياق الدراسة المقارنة بين مفهوم المجال الحيوي في المنظور التقليدي ومفهوم المجال الحيوي في المنظور المعاصر , الذي يُعد اليوم احد مخرجات العولمة , اذ لم يعد المجال الحيوي اليوم مرتبط بالابعاد المكانية لوظيفية الدولة , بل انتقل نطاق المجال الحيوي من الحيز الجغرافي ( القاري ) الى فضاءات اخرى تمثلت بدايتها في الفضاءات الاقتصادية او ماسميت بـ geo-economic , من ثم الى عالمية المبادئ التي اصبحت الخارطة الرئيسة في تحديد الجيوستراتيجية العالمية . وعليه فقد تم تناول الدراسة من خلال اربعة فصول :
• الفصل الاول : المجال الحيوي ( دراسة نظرية ) , تم تناول فيه تطور مفهوم المجال الحيوي عبر تطور الدراسات الجيوبولتيكية ومن ثم علاقة المجال بالتوظيف الاستراتيجي
• الفصل الثاني : تناول تطورة فكرة المجال الحيوي في الاستراتيجية الاميركية الشاملة
• الفصل الثالث : تناول نماذج تطبيق الفكرة على مستوى ثرث قارات من قارات العالم .
• الفصل الرابع تناول : علاقة الفكرة بالامن القومي الاميركي , ومن ثم مستقبل الفكرة في الاداء الاستراتيجي الاميركي .