العلاقة بين الحكومة والمعارضة في الدول العربية

number: 
599
عربية
Degree: 
Imprint: 
علوم سياسية
Author: 
أحمد عدنان كاظم
Supervisor: 
د.وصال نجيب العزاوي
year: 
2008

يُعدُّ موضوع العلاقة بين الحكومة والمعارضة من الموضوعات الحديثة التي لم يجرِ البحث فيها بشكل علمي وأكاديمي ، بسبب قلة المصادر والبحوث والكتابات عن هذا الموضوع . إذ يكاد أن يكون من الموضوعات غير المطروقة بشكل وأخر في الدول العربية ، أما على مستوى الدول الغربية فتكاد تكون قضية المعارضة محسومة حيال السلطة بسبب الإقرار والاعتراف بوجودها بشكل شرعي وقانوني بحسب الدستور الذي يُعدِّها جزءاً من العملية السياسية . أخذَ موضوع المعارضة في الدول العربية منحى أخر بسبب الخلفية التأريخية التي أفرزت أشكال مختلفة من الحكم . ففي مرحلة السيطرة الاستعمارية خضعت الدول العربية لإنماط مختلفة من الاستعمار ، فالبعض منه كان ذا نمط تقليدي مثلهُ الاستعمار البريطاني في دول الخليج العربي بهدف التحكم بالقرارات السياسية الداخلية والخارجية كافة ، وهناك نمط الاستعمار الاستيعابي الذي يسعى نحو نشر ثقافة جديدة تحل محل الثقافة الوطنية للبلد المستعمر ، وهذا ما مثلهُ الاستعمار الفرنسي في الجزائر . من هنا تعددت أشكال المقاومة ضد المستعمر والتي تمثل جهداً شعبياً وطنياً يتأرجح بين المقاومة اسلمية من خلال المظاهرات والاحتجاجات والاضرابات .... ، مع احتمالية وقوع أحداث عنف محدودة وهذا ما حدث في لبنان والسودان . لذلك نجد أنظمة الحكم في هذه البلدان قريبة من نمط الحكم الليبرالي بسبب منح قدر معين من الحرية السياسية . أو نمط المقاومة المسلحة ضد المستعمر الذي يأخذ منحى أخر من خلال شن حرب شعبية عارمة ترمي إلى إرغام المُحتل على التفاوض من أجل نيل الاستقلال وهذا ما حدث في الجزائر واليمن الديمقراطية الشعبية . وهناك دول عربية جمعت بين المقاومة السلمية والمقاومة المسلحة وهذا ما عرفته مصر في مرحلة ما قبل الاستقلال من خلال الأحزاب المصرية في بداية القرن العشرين ، ولكن الاستقلال لم يتحقق إلاَّ بعد تدخل الجيش لإجبار الأنجليز على الجلاء من مصر ، والشيء نفسهُ حدث في العراق .
تضم الدول العربية أشكال مختلفة من أنظمة الحكم سواء أكانت ملكية أم جمهورية ، إذ نجد وجود دول تحكم بنمط الحكم المدني كما هو الحال في دول الخليج العربي ، وهناك دول تضم تحالفاً مدنياً ـ عسكرياً وهذا ما نجدهُ في السودان في ظل حكم الرئيس (( عمر البشير )) . في الوقت الذي تتصف فيهِ الدول العربية كافة يمليها نحو إقامة تنظيمات شبه عسكرية تضم العناصر الموالية لها من أجل ضمان بقائها في الحكم لأطول مدة ممكنة من جانب ، والتحرك صوب أي معارضة ترمي إلى زعزعة أُسس استقرار النظام الحاكم وبقائهِ ، سيما عندما تسعى قوى المعارضة المختلفة نحو السلطة .
كما تتحدد طبيعة العلاقة بين الحكومة والمعارضة بحسب الأنظمة الحزبية السائدة في الدول العربية ، إذ تمر هذه العلاقة بمراحل تطور مختلفة ، فهناك الأنظمة غير الحزبية التي لا تسمح بوجود أحزاب في الحياة السياسية ، وبالتالي تكون فرص ظهور معارضة ضد النخب العربية الحاكمة معدومة و / أو ضئيلة مثل ليبيا ودول الخليج العربي . وهناك دول عربية يتجسد فيها تنظيم الحزب الواحد مثل مصر منذُ عام 1952 ولغاية عام 1976 من خلال الاتحاد الأشتراكي العربي وتونس لغاية عام 1981 من خلال الحزب الدستوري الأشتراكي والجزائر لغاية عام 1989 من خلال جبهة التحرير الوطني ، والعراق خلال المُدة 1968 ـ 2003 م . فضلاً عن قيام دول عربية بتطبيق التعددية الحزبية المقيدة مثل مصر بعد عام 1976 بإستثناء الأنموذج اللبناني الذي أعتمدَ أنموذج التعددية الحزبية المطلقة بسبب أنعدام وجود أية قيود على تشكيل الأحزاب السياسية ، رغم كونها أقرب إلى الطبيعة العائلية والطائفية . وبذلك نجد أن الحياة السياسية في أي بلد مرهونة بواقع العمل السياسي الحزبي وطبيعة عمل النظام السياسي مما ينعكس بشكلٍ وأخر على طبيعة العلاقة بين الحكومة والمعارضة التي تبدو بأشكال وأنماط مختلفة وبحسب طبيعة تعاطي الحكومات العربية مع قوى المعارضة . ولكن طبيعة العلاقة بين الحكومة والمعارضة في مرحلة التعددية السياسية وفي ظل التحول السياسي نحو الديمقراطية الذي بدأ منذُ أواخر عقد الثمانينات وبداية عقد تسعينيات القرن الماضي من خلال الإصلاحات السياسية والدستورية ، قد أخذ أبعاداً سياسية مختلفة ، إذ سمحت دول عديدة بوجود المعارضة في الحياة السياسية (( مصر ، الأردن ، المغرب ، تونس ، الجزائر ، موريتانيا ، اليمن .... )) ، ولكن لم تخرج الأدوار السياسية التي تؤديها المعارضة في علاقتها مع الحكومة عن الحدود المسموح بها . إذْ متى ما شعرت أن العملية السياسية الديمقراطية ستأتي بقوى المعارضة إلى السلطة لتكون بديلاً عنها ، عندها لن تتوانى الحكومة عن كبح جماحها (( الجزائر مثال واضح على ذلك )) ، وفي مصر لم يسمح لأحزاب المعارضة السياسية أن تحصل على تمثيل كبير في المجالس النيابية في ظل هيمنة حزب السلطة (( الحزب الوطن الديمقراطي )) ، وفي اليمن يتمتع الحزب الحاكم (( المؤتمر الشعبي العام )) بالقوة الكافية التي تُمكنهُ من الضغط على الأحزاب الموجودة في الساحة السياسية ومنعها من أن تشكل تكتل سياسي كبير (( تحالف سياسي )) ليكون قاب قوسين أو أدنى من السلطة ، وذلك درءاً لأي تهديد غير متوقع من الأحزاب السياسية الجديدة في الحياة السياسية . لِذا فإن العلاقة بين الحكومة والمعارضة في ظل مراحل صيرورتها السياسية (( الحزب الواحد ، الحزب المهيمن ، التعددية السياسية )) تنساق نحو ترجيح كفة القابضين على السلطة وذلك لتمتعها بالقوة والإمكانات مقارنة مع المعارضة التي لم تستطع أن تقوم بدور مؤثر حيال الحكومة بسبب تهافت قدرتها وتهالك أسسها التنظيمية ، مما يجعلها غير قادرة على تحدي و / أو مواجهة السلطة السياسية الحاكمة . مع انعدام توافر البيئة الصحية والصحيحة التي تعمل فيها المعارضة . بمعنى أننا أمام مشكلة كيفية إشراك قوى المعارضة في العملية السياسية ، وهذا يتحدد في ضوء طبيعة صياغة قاعدة وإطار سياسي عام للمشاركة في الحياة السياسية ، بما يُلبي طموحاتها السياسية ، لاسيما وأن الحكومة ترمي إلى تدعيم سلطتها وإبعاد خطر المعارضة عنها ، أي أن الحكومة ستبقى متربصة لظهور أي قوة سياسية معارضة ولا تتوانى عن ضربها وإقصاءها إذا ما شعرت بخطرها وتهديدها في عموم الحياة السياسية .