الإستراتيجية الأمريكية تجاه إيران بعد إحداث 11 أيلول 2001 - دراسة مستقبلية

number: 
1426
عربية
Degree: 
Imprint: 
علوم سياسية
Author: 
بهاء عدنان يحيى السعبري
Supervisor: 
د. سرمد زكي الجادر
year: 
2011

ساهم بروز الولايات المتحدة كقوة فاعلة في منتصف القرن العشرين ، وتقاسمها العالم آنذاك مع الاتحاد السوفيتي في بروز مصالح الولايات المتحدة في مناطق متعددة في العالم , ولأن منطقة الشرق الأوسط منطقة ذات أهمية و خصائص جيو إستراتيجية عدُت محوراً للتنافس بين القطبين ليس بسبب قربها من الاتحاد السوفيتي فحسب ، بل لتمتعها بمقومات قوة جعلتها منطقة صراع و تنافس , ولأن بريطانيا كانت أحد حلفاء الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة , فإن انسحابها من منطقة الخليج العربي تحديداً بداية السبعينيات من القرن الماضي أفسح المجال للولايات المتحدة لسد الفراغ الإستراتيجي الذي حصل في المنطقة وتعزيز مصالحها السياسية والاقتصادية والعسكرية آنذاك وتوظيفها في صراعها مع الاتحاد السوفيتي.
هذه الأهمية لمنطقة الشرق الأوسط ، وكجزء من سياسة الأحلاف، دعت الولايات المتحدة للاعتماد على حلفائها في المنطقة, لرعاية مصالحها, ولتأمين وجودها, وكانت إيران تعد أحد أهم حلفائها ضمن سياسة العمودين مع السعودية, لكن هذه السياسة لم تدم طويلاً فقد أدى سقوط شاه إيران عام 1979 اِثر قيام الثورة الإسلامية إلى حدوث تداعيات كبيرة كان أهمها خروج أحد حلفاء الولايات المتحدة من تحت مظلتها في منطقة حساسة تتمركز فيها أهم المصالح الإستراتيجية الأمريكية وساهم أيضاً صعود النظام الإسلامي في إيران إلى حدوث انعطاف في مسيرة العلاقات بين البلدين بسبب التوجهات الجديدة للنظام السياسي الإيراني وكذلك طبيعة الأحداث التي رافقت الثورة مثل احتجاز الرهائن مما ولد قناعة لدى صناع القرار الأمريكي بتحول إيران من دولة حليفة إلى دولة معادية ، هذا الإدراك الأمريكي أكدته طبيعة السياسات المعادية التي انتهجتها إيران ضد الولايات المتحدة ولذلك جاءت السياسات الأمريكية لتقويض النظام السياسي في إيران واحتوائه كونه أصبح يشكل تهديداً للمصالح الأمريكية و ذلك من خلال محاولة تغيير النظام مرة أو استنزاف هياكلها وبناها التحتية مرة أخرى من خلال الحرب مع العراق التي دامت ثمان سنوات, أو من خلال الوسيلة الاقتصادية وسياسة فرض العقوبات لإنهاك الاقتصاد الإيراني وكان الهدف الأساسي من احتواء إيران جعلها أكثر طواعية واستجابة لمطالب المجتمع الدولي.
تغيرت الإستراتيجية الأمريكية بعد أحداث 11 أيلول 2001 وأصاب التغيير أهدافها ووسائل التنفيذ فيها ولأن عملية التغيير ترتبط أساساً بطبيعة النظام الدولي الذي تنفذ فيه هذه الإستراتيجية فإن التغيير جاء كنتيجة للتغيير الحاصل في البيئة الأمنية للنظام الدولي التي تمثلت بأحداث 11 أيلول 2001 وتعرض الأمن القومي

الأمريكي للتهديد ولذلك جاءت إستراتيجية مكافحة الإرهاب، والضربة الاستباقية ومواجهة التهديدات، والقضاء على الدول المعادية، ومكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل كجزء من إستراتيجية شاملة هدفها إبقاء الولايات المتحدة الأمريكية القطب الأكثر فاعلية في النظام الدولي، هذا التغيير في الإستراتيجية الأمريكية يمكن رصده من خلال التعامل الأمريكي مع إيران اثر أحداث 11 أيلول 2001 ، فالولايات المتحدة تدرك بأن إيران تمثل أهم التحديات التي تواجهها في الشرق الأوسط ، وكيف يمكن لهذا التحدي أن تنتقل آثاره إقليمياً وحتى دولياً ولذلك فإن الإستراتيجية الأمريكية تجاه إيران بعد 2001 تمثل صياغة جديدة للولايات المتحدة للتعامل مع دولة تجتمع فيها معظم القضايا التي تسعى الولايات المتحدة لحلها.
إن الإستراتيجية الأمريكية تجاه إيران هي جزء من إستراتيجية أشمل لمنطقة الشرق الأوسط ولأن إيران دولة معادية للولايات المتحدة و لإسرائيل ولأنها أيضاً تمتلك مقومات قوة عسكرية وجغرافية فضلاً عن سعيها لامتلاك السلاح النووي, فإن الولايات المتحدة تركز كل جهودها تجاهها, ولأن معظم الأهداف الأمريكية سواء في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي أو في أسيا الوسطى ترتبط إيران بها كونها دولة معيقة لإنجاز هذه الأهداف، فإن الفعل الإستراتيجي الأمريكي تجاه إيران لا يراد منه مجرد التعامل مع إيران بوصفها دولة معادية ، بل من أجل تجاوزها لتحقيق أهداف أكبر، فمثلاً تمثل إيران خطر على المصالح الأمريكية المتعلقة بأمن الطاقة وأمن الأنظمة السياسية في الخليج العربي و نجاحها في مكافحة انتشار الأسلحة النووية و مكافحة الإرهاب.
فضلاً عن دور إيران تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط وقدرتها على إثارة الفوضى في المناطق التي تمثل اختبار لقدرة الولايات المتحدة على إدارة الأزمات و القضايا الإقليمية مثل المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية والوجود الأمريكي في العراق وأفغانستان والعمل على تحقيق أهداف هذا الوجود بوصفه تطبيقاً للإستراتيجية الأمريكية بعد أحداث 11 أيلول 2001 .
لأن إيران هي محور التفاعل في المنطقة بسبب سعيها للهيمنة الإقليمية ولأنها دولة معادية للولايات المتحدة وتسعى للتملك النووي فإن أهمية هذه الدراسة تأتي من خلال عدة جوانب منها السعي الأمريكي لاحتواء دولة معادية, و تأمين مصالحها في ظل وجود معوقات تمارسها هذه الدولة وكذلك العمل الأمريكي على إدارة أزمات النظام الإقليمي في الشرق الأوسط وأزمات النظام الدولي التي تمثل إيران جزء منه، فإن نجاح الولايات المتحدة في منع إيران من امتلاك السلاح النووي بأي طريقة كانت وكذلك قدرتها في القضاء على الإرهاب والجماعات المسلحة التي تتهم إيران بدعمها فإن ذلك يعني قدرة الولايات المتحدة على تطويع التحديات المستقبلية التي تواجه النظام الدولي. وتزداد أهمية الموضوع من خلال الرغبة الأمريكية في التعامل مع دولة مثل إيران وإيقاف تهديدها اذ يعني ذلك ردع لجميع الدول التي تفكر في تحدي الولايات المتحدة و النظام الدولي وهو في الوقت نفسه إثبات للدور الأمريكي الجديد الذي اختارته الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إستراتيجيتيها الشاملة بعد أحداث 11 أيلول 2001.
أخيرا تأتي أهمية الدراسة في التركيز على معظم مفاصل العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران وليس التركيز فقط على البرنامج النووي الإيراني، فإيران لا تمثل تهديداً للولايات المتحدة بسبب سعيها لامتلاك السلاح النووي فقط، بل هنالك تحديات أخرى تسهم إيران في إيجادها و دعمها و توجيهها ضد الولايات المتحدة لذلك فان الإستراتيجية الأمريكية تجاه إيران هي إستراتيجية شاملة تتعامل مع إيران في جميع الاتجاهات ، لذا فإن هذه الدراسة تسعى لتقديم صورة كاملة عن الإستراتيجية الأمريكية تجاه إيران وما هي الخيارات المستقبلية التي تتوافر أمام الإستراتيجية الأمريكية التي تمكنها من احتواء الخطر والتهديد الإيراني ، مدركة في الوقت نفسه جميع الفرص المتاحة أمامها وكذلك جميع المخاطر التي يمكن أن تحدث جراء ترجيح وسيلة معينة على حساب أخرى.
ولكن بالمحصلة النهائية فإن هذه الإستراتيجية تسعى إلى تحقيق هدف واحد وهو احتواء التهديد الإيراني أو القضاء عليه وكل ذلك يدور ضمن إستراتيجية مرنه وذات استمرارية في طبيعة تعاملها مع جميع المتغيرات المؤثرة في طبيعة العلاقة سواء كانت هذه المتغيرات إيجابية أم سلبية.
تتسم السياسة الأمريكية بما يمكن تسميته بالثوابت في إستراتيجيتها القومية بغض النظر عمن يتولى السلطة سواء كانوا جمهوريين أم ديمقراطيين، فمثلاً تعد سياسة الدفاع و الحفاظ على المصالح القومية العليا ومواجهة التهديدات والتحديات الناشئة، والعمل على بقاء الولايات المتحدة القطب الأبرز والأكثر فاعلية في النظام الدولي، من المصالح المتفق عليها لدى الساسة الأمريكان ،هذا الاتفاق شمل أيضاً ضرورة احتواء الأعداء ومواجهة تهديداتهم من أجل القضاء عليها، وهذا الأمر ينطبق على إيران فاحتواؤها كان وسيبقى الهدف الثابت في الإستراتيجية الأمريكية وهو هدف لا يختلف عليه أي من القادة الأمريكان وإن كان الاختلاف حول الوسيلة التي يمكن من خلالها احتواءها،و بعد إحداث 11 أيلول 2001و حين أقرت إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، بدا الموقف الأمريكي مختلف جداً عن السابق، فقد ألزمت هذه الإستراتيجية سياسة الدولة الخارجية على الانتقال إلى سياسة القوة و التشدد تجاه التهديدات، وأهمها الإرهاب، و كذلك التصدي للدول التي يمكن إن تشكل خطراً على الولايات المتحدة، و عليه فان السياسة الأمريكية تجاه إيران باتت أكثر تماسكاً من ذي قبل لاسيما مع تنامي بعض الاتجاهات القوية داخل الإدارة الأمريكية خصوصاً من جانب الصقور الذين يتبنون توجهات متشددة في السياسة الدولية و لاسيما تجاه إيران حيث يضعونها هدفاً مستقبلياً لتدخل أمريكي حاسم ، ويمثل هذا الاتجاه أسماء مثل ريتشارد بيرل، بول ولفوويتز، و دوغلاس فايث، و هولاء يؤكدون إن الولايات المتحدة يجب إن تستغل الفرصة ألان للتعامل مع إيران لأسباب، منها وجودها العسكري القريب من إيران و كذلك عدم امتلاك إيران السلاح النووي لحد ألان و أيضا طبيعة التغيرات الداخلية في إيران و الإقليمية في المنطقة التي يمكن إن تكون عامل دفع للإستراتيجية الأمريكية تجاه إيران ، و سيشكل البرنامج النووي الإيراني فضلا عن القضايا الأخرى احد أهم محددات الإستراتيجية الأمريكية ، فالإصرار الإيراني على المضي قدماً في برنامجها النووي، هذا الأمر وضع الولايات المتحدة إمام خيارات صعبة ، فإيران اتخذت قرارها الحاسم بتخصيب اليورانيوم مما دفع الولايات المتحدة إلى ضرورة التعامل معها بأية وسيلة متاحة