التوجهات السياسية والأقتصادية التركية تجاه المشرق العربي (2002-2011)

number: 
1549
Arabic
Degree: 
Author: 
شهد صباح مجيد سلطان
Supervisor: 
الأستاذ الدكتور عبد علي كاظم المعموري
year: 
2012

تمتلك تركيا مقومات تاريخية راسخة لها ثقلها في التاريخ العربي والإسلامي بشكل عام , وفي المشرق العربي على وجه التخصيص, إذ حكمت الإمبراطورية العثمانية مساحات شاسعة من العالم، لما يقارب خمسمائة عام . ومع انهيار هذه الإمبراطورية على أثر هزيمتها في الحرب العالمية الأولى, أصبح نفوذ سلطانها يقتصر على مساحة محددة عرفت بتركيا بعد تمزيق أوصال الإمبراطورية العظيمة بين الأطراف المنتصرة في الحرب، وبالأخص فرنسا وبريطانيا , وأصبحت الإمبراطورية الإسلامية السابقة دولة علمانية تسعى جهدها للتشبث بالغرب وربط هويتها به .
وفي أعقاب الحرب الباردة وانهيار الإتحاد السوفيتي وبذلك زوال الخطر الشيوعي عن تركيا, ومن ثم قيام حرب الخليج الثانية عام 1991, وتعقيدات الصراع العربي – (الإسرائيلي), وجدت تركيا نفسها في قلب دوائر جيوسياسية تتشكل من جديد أمنياً واقتصادياً وسياسياً, ومع الفضاء الجغرافي الذي تمتلكه تركيا الذي يربط بين قارتي أسيا وأوربا, علاوة على قربها من أبرز المواقع الإستراتيجية في العالم وهي منطقة الخليج العربي التي تعد من أغنى المناطق بمصادر الطاقة والبترول, بدا من الممكن أنَّ تستعيد تركيا أمجادها السابقة، ويكون لها دوراً حاسم في التوازنات الدولية الناشئة في الشرق الأوسط, لاسيما في المشرق العربي.
توجت هذه التوجهات مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة التركية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2002, إذ انتهجت تركيا بقيادة هذا الحزب منهج تحسين العلاقات مع دول المنطقة , فعلاوة على التحرك التركي في الساحة الأوربية للانضمام إلى الإتحاد الأوربي, فإنَّ تحركها لا يقل قوة وتأثيراً في الساحة العربية, ساعدها بذلك مشتركات عدة منها القرب الجغرافي, والموروث الاستعماري, عضويتها في المؤتمر الإسلامي, فضلاً عن أن تركيا تشترك مع دول المشرق العربي ببعض من الروابط وأبرزها الديانة الإسلامية, فضلاً عن الطابع العرقي المشترك مع محيطها، إذ يشكل الأكراد والعرب فيها أحد أوجه التشابه، كما أن الأقلية التركية في العراق وسوريا، هي الأخرى تشكل عامل ارتباط وتفاعل بين تركيا والعراق وسوريا وحتى لبنان, كما أن بعض دول المنطقة تعتمد على تركيا فيما يخص تزويدها بالمياه, لذلك أخذت علاقة تركيا بدول المشرق العربي تأخذ أبعاداً عدة، انعكست على طبيعة السياسة الخارجية التركية تجاه دول المشرق العربي.ساعدت الأوضاع السياسية والاقتصادية لدول المشرق العربي تركيا على زيادة هذا التوجه، وخاصة العراق وسوريا ولبنان وفلسطين, وقد سعت تركيا إلى تسجيل مواقفها الإيجابية إزاء قضايا المنطقة وبشكل ملفت , كما أنَّ الموارد الاقتصادية التي تملكها دول المشرق العربي أغرت بدورها الاقتصاد التركي، والذي يعد واحداً من أكبر (20) اقتصاد في العالم، بعد الإصلاحات التي قامت بها تركيا, إلى تعميق هذه التوجهات خاصة في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة.كما أنّ تركيا بوصفها عضواً في حلف الأطلسي (الناتو)، مع وجود قواعد عسكرية أميركية فيها، بجانب علاقاتها الإستراتيجية وتعاونها العسكري مع (إسرائيل) ، تشكل مرتكزاً للإستراتيجية الغربية وبوابتها تجاه المشرق، وتدخلها في الشؤون العربية لا يعد مجرد بحث عن مصالح اقتصادية فقط، بل في حواضنه الأساسية هو فرض تركيا واحدة من الدول التي يجب أنّ تساهم في أي ترتيبات تجرى في المشرق العربي على الأقل، ومواقفها لا يمكن أنّ تكون بعيدة عن ضوء أخضر من الدول الأوربية وأميركا، تبعاً للإمكانات التي تمتلكها، وبما يتناسب مع أحداث التوازن مع القوى الأخرى بعد انكفاء مصر والسعودية بسبب أوضاعهما الداخلية.لذلك يحاول هذا البحث تتبع طبيعة وماهية التوجهات السياسية والاقتصادية التركية تجاه دول المشرق العربي، بعد تولي حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا. فهو يمثل أنموذجاً ناجحاً للأحزاب الدينية - السياسية في دول المشرق العربي، على الرغم من أنه يمثل امتداداً لحزب الأخوان المسلمين الذي أنشأ في مصر إبتداءاً ومن ثم أنتشر في العديد من الدول العربية والإسلامية.