مكانـــــة إسرائيل الإقليمية وأحداث 11 أيلول 2001

number: 
684
Arabic
Degree: 
Imprint: 
علوم سياسية
Author: 
ناجي محمد عبد الله هتــاش
Supervisor: 
الدكتور صالح عباس الطائي
year: 
2008

تتوخى هذه الدراسة البحث في ( مكانة إسرائيل الإقليمية وأحداث 11 أيلول 2001 – دراسة في الإمكانيات والفرص)، إذ يحاول الباحث فيها تحليل المتغيرات، التي ساعدت إسرائيل في إدامة وجودها في بيئة غريبة عنها، ومحاولاتها الدؤوبة، بلوغ حالة من الهيمنة الإقليمية ، في منطقة تعد من أهم مناطق العالم حيوية، تلك هي الممتدة من إيران شرقا إلى مصر والسودان غربا، ومن تركيا شمالا، إلى الخليج العربي جنوبا، فهذه المنطقة كانت تشكل بالأمس القريب منطقة الشرق الأوسط، حسب الرؤية البريطانية، واليوم هي تشكل القلب النابض لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي رسمته الولايات المتحدة. لعل من البديهي أن تسعى الوحدات السياسية الدولية تخطيطا وتنفيذا لإيجاد مكانة دولية لنفسها، معتمدة على سياسة المكانة التي أساسها الإمكانيات الذاتية المختلفة وخاصة العسكرية، والقدرة على استخدامها بهدف إيقاع التأثير على الوحدات السياسية الأخرى، من هنا اختلفت الدول فيما بينها، من حيث المكانة الدولية التي تتمتع بها كل منها، فمكانة روسيا الدولية اليوم، غير المكانة الدولية التي كان يتمتع بها الاتحاد السوفيتي سابقا، ومكانة دولة مثل بلغاريا على سبيل المثال، ليس كالمكانة الدولية التي تتمتع بها الولايات المتحدة المهيمنة على النظام السياسي الدولي. وعندما نبحث في المكانة الإقليمية لدول الشرق الأوسط ، نجد إن من الطبيعي أن تسعى دول كبيرة فيه مثل مصر، تركيا، العراق قبل احتلاله، إيران، والسعودية ، لتبؤ مكانة متقدمة لها على سلم قوى الهرم الإقليمي ، اعتمادا على ما تتوافر عليه كل قوة من إمكانيات وقدرات، من جهة ولكونها دول أُنشأت وولدت ولادة طبيعية في رحم هذا الإقليم ، من جهة أخرى، وعاشت تأريخه بأدق تفاصيله ومراحل تطوره ، ولعبت فيه أدوارا عِبرَ مراحل تأريخية مختلفة، وأثرت وتأثرت بكل متغيراته على مر الزمن، فضلا عن وجود قواعد وعوامل مشتركة أخرى ، كالعامل الثقافي، والديني، وحتى الاجتماعي. أما بالنسبة لإسرائيل كدولة ضمن هذا الإقليم، فإنها الوحيدة التي تختلف عن دوله ، بدأ من نشأتها غير الطبيعية، إذ إنها صُنعت صناعة ، وأُوجدت بالقوة الاحلالية، وتشكل شعبها من (شتات) يهود العالم، ناهيك عن كونها تختلف اختلافا جذريا عن كل دول الإقليم ، تاريخيا، وثقافيا ، ودينيا، واجتماعيا، وهو ما جعلها كيانا منبوذا من محيطها الإقليمي، ولم يكن هذا الأمر بعيدا عن الإدراك الصهيوني ، فالحركة الصهيونية كانت تدرك تماما الخطر الذي سيحيق بالدولة الوليدة وسط البيئة المعادية التي أوجدت فيها، من هنا جاءت الأهداف التي رسمتها الصهيونية ، على وفق أولويات من أهمها : 01 التخطيط لإقامة الدولة بالتنسيق والتعاون مع القوى الدولية الفاعلة في النظام السياسي الدولي ، والمسيطرة على الشرق الأوسط، ففتحت مبكرا أبواب الهجرة لاستيطان أكبر عدد ممكن من اليهود على أرض فلسطين، ومن ثم الحصول على الوعد بإقامة الدولة ،فكان وعد بلفور عام 1917 اللبنة الأساسية للدولة المنشودة . 02 اكتساب الشرعية الدولية والقانونية لقيام دولة إسرائيل ، ونقصد قرار التقسيم 181 لسنة 1947، ومن ثم إعلان قيام الدولة في 15مايس1948، واعتراف الأمم المتحدة بها كعضو جديد ضمن الأسرة الدولية ، وتوالي الاعترافات الدولية بها 03 تحقيق الغاية القومية ، بأن تكون الدولة دولة قومية يهودية(1) ، استنادا إلى مغالطات دينية وتاريخية، وهو ما أكده إعلان قيام الدولة، بأن أهداف الدولة الأساسية تدور حول أرض إسرائيل ، وهي مهد الشعب اليهودي، وفتح حدود الدولة لكل اليهود في العالم ليتجمعوا في إسرائيل عن طريق الهجرة(2). 04 الحفاظ على كيان الدولة، من خلال بناء جيش قوي يستند على قوة احتياط كبيرة، يستطيع الدفاع عن الدولة ، وفي هذا يقول ليفي أشكول (( إن حماية وجود الدولة والحفاظ عليها ماديا وروحيا، ثم تدعيم مستقبلها وتأمين استمرار وجودها مسالة تحتل الصدارة في عقول الصهيونيين))(3) . إن هذه الأهداف ما كان لها أن تتحقق لولا عنصر القوة، ليس فقط في جانبها العسكري وإنما في جميع الجوانب الأخرى، وبما يحقق تفوقا نوعيا على الكم العربي المعادي لها، وهذا ما أوحى بفكرة إن علاقة القوة ومنذ قيام إسرائيل والى يومنا هذا كانت تشير إلى تفوق إسرائيلي واضح ، ويمكن تفسير هذا التفوق بثلاثة عوامل (1) : العامل الأول: الانتماء الحضاري ، بمعنى انتماء أصحاب المشروع الصهيوني ، وخاصة قادته إلى العالم، الذي يتفوق حضاريا على الوسط البيئي الذي زرع فيه المشروع ، هذا التفوق تعبر عنه فجوة الحداثة بين طرفين ، ينتمي أحدهما إلى المجتمع الصناعي الحديث، والآخر إلى المجتمع التقليدي، وهذا الشعور بالتفوق على العرب كان ملازما للدعوة الصهيونية منذ أيامها الأولى. العامل الثاني: قوة الأيديولوجية الصهيونية، كعنصر عقيدي، حوَلت الأهداف الصهيونية التي وضِعت في القرن التاسع عشر إلى حقائق فعلية منتصف القرن العشرين، بإقامة الدولة والاستمرار بتدعيمها.
العامل الثالث: التحدي العربي المستند على العداء لهذا الكيان الغريب الذي أنشئ وسطه، هذا التحدي المصيري، جعل تفوق هذا الكيان ضرورة لوجوده وشرط لحياته. وعلى الرغم مما حققته إسرائيل من شرعية دولية في الوجود، إلاّ إن ذلك لم يلغِ اهتمامها الكبير في دور إقليمي، وقبول عربي يسمح لها النفوذ في المنطقة والاشتراك في تفاعلاتها. وعليه فأن ثمة مجموعة من الثوابت، نجدها تشكل إطارا للإدراك الفكري والسياسي الإسرائيلي حيال إقليمها الجغرافي :
01 الاعتماد إلى قوة عظمى ، للحصول على حمايتها أولا، وعلى دعمها الثابت الذي يؤهلها بدور إقليمي ثانيا. 2 اعتماد مفهوم الأمن المطلق المستند على قاعدة التوسع جغرافيا لتأمين العمق الاستراتيجي، وضمان ديمومة التفوق العسكري، ودعمه بذراع نووي رادع. 03التأكيد على إلغاء الأمة العربية كحقيقة تاريخية وحضارية، وإيجاد نوع من الصراع بين القومي والديني، واستغلال التوترات الطائفية والدينية لتفتيت المنطقة، وبما يحقق لها الاعتراف والقبول من الآخرين، والحصول على الشرعية الإقليمية، من خلال إرساء مناخ عربي يقبل بالوجود الإسرائيلي ويتعايش معه، وصولا للهيمنة الإقليمية في مرحلة لاحقة ، ولعب دور القائد الإقليمي. 04 استقدام المزيد من يهود الدول الأخرى، لإيجاد إضافة نوعية وكمية إلى عناصر القوة الإسرائيلية.
05 النظر إلى مفهوم الأمن كل حسب المرحلة التي تمر بها إسرائيل والمنطقة، بمعنى إن مفهوم الأمن التقليدي الذي كان سائدا منذ مرحلة تثبيت الوجود ولغاية عقد اتفاقية السلام المصرية –الإسرائيلية في العام 1979، وصولا إلى انطلاق عملية التسوية في العام 1991، ذلك المفهوم للأمن قد تغير وتحول إلى مفهوم أوسع ليصار التأكيد على أمن الأعماق الاقتصادية ، بمعنى التأكيد على أن يكون لإسرائيل جذور اقتصادية وسياسية داخل المنطقة.
إن ما ساعد إسرائيل في تحقيق الكثير من هذه الأهداف والرؤى جملة المتغيرات الدولية التي عصفت بالنظام السياسي الدولي، والتي وجدت أصدائها إقليميا لتستغلها إسرائيل وبشكل أمثل، فلا يختلف اثنان على أن نهاية الحرب الباردة، أفقدت العرب حليفهم الاستراتيجي الاتحاد السوفيتي، فكان انكشافهم فرصة ذهبية أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، لفرض التسوية عليهم، والتأسيس للشرعية الإقليمية الإسرائيلية على أنقاض جدار المقاطعة العربية، والذي مثّل أحد أهم مظاهر الرفض العربي لوجود إسرائيل بين ظهرانيهم، والبدء بطرح المشاريع الإقليمية المشتركة. ثم جاءت هجمات 11 أيلول 2001، التي طالت العمق الأمريكي، لتشكل الفرصة الذهبية بالنسبة لإسرائيل لإتمام الإجهاز على النظام العربي، ذلك إن تداعيات تلك الهجمات وردّ الفعل الأمريكي قد ترّكز على هذه المنطقة التي يمثل العرب والمسلمين الغالبية العظمى فيها، فاتهام العرب والمسلمين بأنهم يمثلون الإرهاب ، جعلتهم في مقدمة من استهدفتهم الحرب العالمية التي قادتها الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، فكان من أهم نتائجها تشويه صورة المسلم والعربي لدى الغرب إمعانا في إضعافهم، واحتلال العراق الذي ظل يشكل ركيزة مهمة من ركائز الرفض للوجود الإسرائيلي لحين احتلال بغداد في العام 2003، وتكثيف الوجود الأمريكي في المنطقة، والذي عُدَ بمثابة دعما لإسرائيل ولممارساتها الإرهابية في المنطقة، أضف إلى ذلك محاصرة قوى إقليمية مهمة، ومن ثم إدخال المنطقة في فوضى عارمة ، لتغيير صورتها، فوجهة نظر اليمين المحافظ المسيطر على الإدارة الأمريكية، ترى أن هناك ضرورة لاستبدال الاستراتيجيات والخطط، بأخرى جديدة تعتمد القوة العسكرية أساسا، وهذا كله كان في صالح إسرائيل فقط، فبقدر ما أصاب النظام الإقليمي العربي من ضعف ووهن، منح إسرائيل بالمقابل زخما كبيرا لتؤكد ليس لشرعية تواجدها الإقليمي حسب، وإنما الانطلاق لتكون قوة إقليمية محورية، يدعمها توجها أمريكيا، لم يصل من قبل حدا، كما بلغه في عهد إدارة الرئيس الحالي جورج بوش الابن .