الأزمة المالية العالمية لعام 2008 أسبابها وأنعكاساتها الأقتصادية والسياسية على الأقتصادات الأوربية والنامية

number: 
1488
Arabic
Degree: 
Author: 
رائد فاضل جويد
Supervisor: 
الدكتور عبد علي كاظم المعموري
year: 
2012

تعد الأزمة المالية العالمية التي عصفت في الاقتصاد العالمي منذ اب عام 2007 وتجلت بشكل واضح في عام 2008 , من اعنف الأزمات (الاقتصادية - المالية) العالمية منذ أزمة الكساد الكبير (1933-1929) , وتأتي خطورة وشدة هذه الأزمة كونها انطلقت من الاقتصاد الأمريكي الذي يؤثر بشكل واضح في حركة الاقتصاد العالمي . فهو الاقتصاد الأكبر في العالم بحجم يبلغ (14) تريليون دولار, وتشكل التجارة فيه أكثر من (10%) من إجمالي التجارة العالمية, هذا بالإضافة الى ان الدولار الأمريكي يشكل ما لا يقل عن (60%) من السيولة الدولية . (عبد العزيز , 2009 , 35) . وبخصوص الأزمة المالية العالمية المعاصرة , فان الدراسات الاقتصادية والمالية التي تناولت جذورها وأسبابها وتداعياتها أوضحت ان هذه الأزمة نتجت اساساً عن مشكلة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية, التي تسببت فيها القروض العقارية الرديئة (Subprime) . وقد تفجرت الأزمة المالية في الاقتصاد الأمريكي عندما حصل عجز كبير في سيولة البنوك التجارية ومؤسسات الإقراض المالية فيها اثر ازدهار سوق القروض العقارية واستمرار التوسع في عمليات الإقراض في أسواق العقارات طيلة السنوات السابقة, بغض النظر عن الموقف المالي للمقترض (Credit History), والتساهل في المطالبة بضمانات كافية للجهة المانحة للقروض سواء كانت بنوك تجارية ام مؤسسات اقراضية . (الخزرجي,2009,35) . وقد بدأت الأزمة عندما انخفضت أسعار العقارات بشكل حاد في النصف الأول من عام 2007, وتعثر المقترضين وامتناعهم عن السداد, ولاسيما القروض الممنوحة في رهونات وضمانات غير كافية, مما جعل الأسواق المالية الدولية, وبخاصة الأمريكية منها, تعاني من صعوبات وتعثرات في تسديد الالتزامات المالية ومستحقاتها, بالإضافة الى انتشار حالة اللايقين التي ساعدت في زيادة طلب سحب الودائع من قبل المودعين بسبب التخوف من حدوث أزمة سيولة. أما السبب الأخر في تفاقم الأزمة فهو طريقة بيع العقارات أو ما تسمى بطريقة التوريق (Securitization) التي تعتمد آلية سندات رهون عقارية بفوائد يتم بيعها في الأسواق المالية العالمية , الأمر الذي أربك القطاع المصرفي الأمريكي والعالمي , حيث تراجعت اقيام المحافظ الاستثمارية لدى البنوك العالمية, مثل بنك سيتي كروب (City Croup), وبي ان بي باريبا (BNB) الفرنسي . (الوزان , 2008,42 ) . وبشكل عام, تعددت الاجتهادات والآراء والتفسيرات فيما يتعلق بأسباب انفجار الأزمة المالية العالمية , وقد تركزت في الجوانب الآتية :

1- أخطاء السياسات الاقتصادية على مستوى الدول العظمى والكبرى والمؤسسات المالية الدولية, وتحديداً فيما يتعلق بتوافق المتغيرات الكلية (Economic Fundamentals).

2- تذبذب نشاط المضاربين الكبار في الأسواق المالية, وضعف أداء البنوك والمؤسسات المالية.

3- اثر العولمة المالية في توفير البيئة والمستلزمات لتفجر الأزمة المالية, ذلك ان العولمة المالية هي عملية متعددة الإبعاد, ويمكن تصوير تلك الأبعاد في مظاهر عدة, منها النمو الفلكي لتدفقات الاستثمارات غير المباشرة أو استثمارات الحافظة , والزيادة السريعة في معاملات الأوراق المالية عبر الحدود, ونمو التعامل في أسواق العملات العالمية بوتيرة اسرع كثيرا من نمو التجارة الدولية .

4- الارتباط المتزايد بين مؤشرات أسعار الأسهم في الأسواق الصاعدة, ومؤشر (نازداك) الذي هو مؤشر أسعار أسهم شركات التكنولوجيا المتقدمة في الولايات المتحدة والذي يزداد قوة مع الوقت .

5- تزايد التعاملات في (المشتقات), وتكمن أهمية المشتقات وبخاصة ما يسمى بالعقود المستقبلية والخيارات في إنها تتداول طبقا لما يعرف (التعامل بالهامش) ,الذي ينتج عنه ما يسمى الرافعة المالية (Leverage) ,التي تكمن خطورتها في انه بقدر يسير من رأس المال المملوك يمكن السيطرة على أضعاف مضاعفة من رأس المال .

6- إن البرامج التي ترعاها المؤسسات الدولية, بقيادة صندوق النقد الدولي تنطوي على غبن شديد في توزيع تكلفة الأزمة, ذلك أن العبء الأكبر يقع على عاتق الدول المتلقية للأموال. أما الجهات الدائنة (بنوك ومؤسسات مالية) فهي لا تساهم الا في تحمل جزء من تكلفة الأزمة, على الرغم من دورها في نشأتها.

ومثلما كان الاقتصاد الأمريكي ومؤسساته المالية بؤرة اندلاع الأزمة المالية العالمية, فان آثارها وانعكاساتها شملت الاقتصادات العالمية عموما, ومن ذلك الاقتصادات الأوربية , والدول النامية , وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي , حيث كان للأزمة تداعيات واضحة في اقتصادات دول الاتحاد الأوربي والدول النامية وبخاصة الدول الصاعدة والآخذة في النمو , والدول المنتجة للنفط بأبعاد اقتصادية وسياسية ملموسة . ومن نافلة القول , انه لا يجوز النظر الى الأزمة المالية بوصفها (شرا لابد منه), بل إن المطلوب (وطنيا وإقليما ودوليا ) العمل على تجنب الوقوع في أخطاء السياسات الاقتصادية والمالية (وبخاصة الاندفاع الى تحرير المعاملات المالية في ميزان المدفوعات, والتسليف دون ضمانات, وإهمال أجهزة الإنذار المبكر والضبط والتحكم) , وان هذا لا يغني عن مهمة إصلاح النظام المالي والنقدي الدولي والعلاقات النقدية الدولية , وهو ما يحتم تحقيق مطالبة عالمية بإعادة النظر في النظام العالمي الراهن من وجوه عدة, كما جاء في مطالبة الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي في خلق (رأسمالية إنسانية), وإنشاء (سلطة مالية عالمية) . (اللوموند,2010,28), تكون الأساس في إصلاح النظام الدولي بحيث تطال نظام أسعار الصرف , والنظام المالي والنقدي , والنظام التجاري. وقد جاءت هذه التوجهات منسجمة مع خطة الإنقاذ الأمريكي, والجهود التي بذلتها البنوك المركزية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وفي دول أسيا ودول أمريكا اللاتينية , بالإضافة الى مساندة الدول النامية النفطية للمؤسسات المالية العالمية للخروج من الأزمة, التي تضمنت أساسيات مهمة وهي (الإقراض, ودمج البنوك والمؤسسات المتعثرة ) بهدف إنقاذها ومساعدة الاقتصادات المتأثرة بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية والحيلولة دون انهيار القطاع المالي والمصرفي في مختلف المستويات , وبالتالي عدم انهيار الاقتصاد العالمي بمؤشراته الكلية . ولذلك تتفاوت توقعات المشاهد المستقبلية لهذه الأزمة . وفي ضوء ذلك فان تناول الأزمة المالية العالمية عام 2008 من شانه تسليط الضوء على الآثار الاقتصادية والسياسية للأزمة وتداعياتها سواء على الدول المتقدمة ام النامية . واتساقا مع عنوان الأطروحة فان التركيز سيكون منصبا على دول الاتحاد الأوربي كونها الدول الصناعية القائدة في مجموعة الدول الأوربية والتي تمتلك موارد مالية كبيرة وأسواق مالية مؤثرة في حركة التداول المالي العالمي وحركة تداول الاسهم والسندات . وكذلك الحال بالنسبة الى الدول النامية التي هي بالتأكيد قد تأثرت بتداعيات الأزمة وانعكاساتها, ولكن هذا التاثر يتباين بين مجموعة الدول النامية طبقا لقوة اقتصاد كل دولة وطبيعة مواردها , ولذلك فان البحث يركز بشكل خاص على الدول النامية الصاعدة والآخذة في النمو, التي تمتلك (أسواقا مالية ناشئة) ,وكذلك الدول النامية النفطية ومنها دول مجلس التعاون الخليجي , التي تستحوذ على أكثر من ربع الإنتاج النفطي العالمي تقريبا , وهذا يشير الى القوة والفاعلية التي يتمتع فيها النفط في اقتصادات دول منطقة مجلس التعاون , التي غدت بسبب هذه الخاصية دولاً ذات اقتصاد ريعي حيث يكون النفط المورد الأساس الوحيد في تركيب اقتصاداتها وتمويل الموازنات العامة فيها , وحيث ان النفط كمادة أولية أساسية يؤثر في حركة الاقتصاد العالمي من حيث الإنتاج والتسويق والأسعار, وان أزمة عام 1973 (النفطية) كانت من الجذور الأساسية للأزمات المالية اللاحقة , الأمر الذي أوجد ضرورة لتناول دول مجلس التعاون الخليجي بتخصيص في هذا البحث بين البلدان النامية , وكذلك الحال بالنسبة الى دول منطقة اليورو التي هي الأساس والمنطلق للوحدة النقدية الأوربية ولتوزيع مناطق الاقتصاد المؤثرة عالميا (أمريكا, الاتحاد الأوربي واليابان) . و تكمن أهمية البحث في انه يعالج موضوعا عالميا هاما أدى الى حدوث انهيارات كبيرة في اكبر اقتصادات العالم , معلنا بذلك مؤشرات الكساد, وارتفاع نسبة البطالة بمعدلات لم يشهدها العالم منذ عشرات السنين. وتتجلى أهمية البحث في انه يؤسس محاولة صياغة أفكار ومقترحات في تأشير وسائل يراد منها أن تأتي منسجمة مع ما وضعته الدراسات الأخرى من مقترحات قد تساعد في تخفيف حدة الأزمة المالية العالمية عام 2008 , المتمثلة في تراجع الأسواق المالية , وامتدادها الى القطاعات الاقتصادية كافة. كما تركز على الكشف عن تداعيات الأزمة على الاقتصاد المحلي والعالمي. وأخيرا تساهم في دراسة أسباب الأزمة المالية العالمية, انسجاما مع ما توصل اليه الاقتصاديون والخبراء والباحثون والدارسون في محاولات وضع الحلول المناسبة لمعالجة هذه الأزمة . يهدف البحث الى دراسة مفاهيم الأزمات المالية العالمية, وجذورها, وبداياتها, والأسباب التي أدت الى حدوثها, وكذلك الكشف عن الآثار الناجمة عن الأزمة المعاصرة وتداعياتها على الاقتصاد العالمي , وبخاصة اقتصادات الدول الأوربية والنامية . والتعرف على آليات معالجة الآثار الناجمة عنها, وتقليل النتائج السلبية لها. ومن ثم الوصول الى مجموعة من الاستنتاجات المساعدة وعرض بعض المقترحات التي يمكن ان تساهم في تقليل مخاطر الأزمة المالية الراهنة وتداعياتها في الاقتصادات العالمية .وبخصوص هيكلية البحث فقد تقسيم البحث الى أربعة فصول :
تضمن الفصل الأول المدخل المفاهيمي للأزمات المالية, في اربعة مباحث.
تناول المبحث الأول مفهوم الأزمة المالية وأسبابها وخصائصها, وتناول المبحث الثاني الأزمة المالية , من حيث البيئة والإجراءات والنظريات المفسرة لها . وتناول المبحث الثالث الأزمة المالية في الفكر الاقتصادي . أما المبحث الرابع فقد تناول الأدوات المالية مــن حيـث مفهومها و خصائصها وعلاقتها في الأسواق الماليــة . وتضمن الفصل الثاني الآثار الاقتصادية للأزمة المالية العالمية وانعكاساتها في الاقتصادات الأوربية والنامية من خلال أربعة مباحث . تناول المبحث الأول الأزمة المالية العالمية من حيث جذورها الفكرية, أسبابها, تداعياتها وتناول المبحث الثاني, طبيعة الاقتصاد الأمريكي ومؤشراته الكلية وأثره في وقوع الأزمة المالية العالمية عام 2008 . وتناول المبحث الثالث , الآثار الاقتصادية للأزمة المالية العالمية وانعكاساتها في الاقتصادات الأوربية ,أما المبحث الرابع فقد تناول الآثار الاقتصادية وانعكاساتها في الدول النامية . وتضمن الفصل الثالث, الآثار السياسية للأزمة المالية العالمية والانعكاسات في الاقتصادات الأوربية و النامية في أربعة مباحث . تناول المبحث الأول, النظام الدولي في ضوء المتغيرات والتحولات المعاصرة, وتناول المبحث الثاني, الإيديولوجية السياسية (الأوربية - الأمريكية ) من حيث آثارها وانعكاساتها الدولية, وتناول المبحث الثالث, الآثار السياسية للأزمة المالية العالمية وانعكاساتها في اقتصادات الدول الأوربية . أما المبحث الرابع, فقد تناول الآثار السياسية للأزمة المالية العالمية وانعكاساتها في الاقتصادات النامية . أما الفصل الرابع والأخير الذي جاء بعنوان "تحليل اثر المتغيرات الاقتصادية الكلية في مؤشرات الاسواق المالية النامية في اطار الأزمة المالية العالمية ووسائل إدارتها (دول مجلس التعاون الخليجي أنموذجا )" , فقد تم في أربعة مباحث . تناول المبحث الأول, المتغيرات الاقتصادية الكلية وآثارها في النظام المالي العالمي , وتناول المبحث الثاني واقع أسواق المال في دول مجلس التعاون الخليجي ومؤشراتها في المدة . (2009-1990) . وتناول المبحث الثالث تقدير اثر عوائد أسواق النفط والمؤشرات الاقتصادية الكلية في اسواق المال لدول مجلس التعاون الخليجي .أما المبحث الرابع فقد تناول أساليب إدارة الأزمة المالية العالمية والدروس المستخلصة منها .وانتهت الدراســة بخاتمـــة وعــدد من الاستنتاجــات والتوصـيـــات وتحديد المصـادر المعتمدة في البحث .