يشهد عالمنا المعاصر , وبشكل خاص ما بعد الحرب العالمية الثانية ظاهرة بارزة , وهي محاولة ظهور تكتلات إقليمية لتنسيق التعاون الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعسكري أو إحداها , نتيجة لتماثل الخصائص والرغبة المشتركة فيما بينها , أو نتيجة لشعورها بخطر خارجي يتهددها , كما كان بانتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي اثر في تقليل دوافع القوى الكبرى بالتدخل في الأقاليم المختلفة فضلاً عن ظهور مجال أوسع للتحرك في نطاق الإقليم الجغرافي .
ويرى الكثير من الباحثين إن التكتلات الإقليمية يمكن أن تساهم في تحقيق الاستقرار على كل من المستويين الإقليمي والدولي , فالتوصل إلى الاتفاقيات الدولية وتطبيقها سواء تعلقت هذه الاتفاقيات بقضايا الأمن أو البيئة أو الاقتصاد العالمي , ستكون أسهل لو أبرمت بين عدد من التكتلات. فالتكتل الإقليمي يعمل كحزام امني , يحقق لدوله المنظمة إليه أمنها واستقرارها بعيدا مما قد يهددها من اضطرابات وحروب وسياسات عدائية , فضلا عن أهمية هذا التكتل في سهولة تنقل وانسياب السلع والخدمات مما يؤدي إلى تطوير الاقتصادات للدول المنتمية للإقليم وفتح الأسواق . وفي هذا السياق , يأتي قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية شاهدا جديدا على بروز التكتلات الإقليمية . ففي الخامس والعشرين من مايو 1981 , دخلت منطقة الخليج العربي مرحلة جديدة مهمة في تاريخها المعاصر عندما اتخذ قادة كل من دولة الإمارات العربية المتحدة , ومملكة البحرين, والمملكة العربية السعودية , وسلطنة عمان , ودولة قطر , ودولة الكويت القرار التاريخي بإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية , ذلك القرار الذي جسد مؤسسيا حزمة عريضة من الروابط والصلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية بين هذه الدول وشعوبها , واستثمر بحصافة معطيات التقارب والتكامل بينها ليبلورها في صيغة تعاونية متميزة معتمدة التدرج في إطار الممكن مرحليا منهجا وأسلوبا للعمل الخليجي المشترك . وضمن هذا السياق فإن العمل الجماعي الخليجي منسجم مع ميثاق جامعة الدول العربية , وداعم لأهدافها في تحقيق تقارب أوثق , وروابط أقوى بين الدول العربية , وما من شك في أن ثمار هذا التعاون هي سند ورصيد للأمة العربية , ورافد للعمل العربي المشترك , بل دافع لإنعاشه والنهوض به , وهو ما أكدته ديباجة النظام الأساسي للمجلس حينما أشارت إلى إن إنشاء مجلس التعاون انطلق من اقتناع الدول الأعضاء (( بأن التنسيق والتعاون والتكامل فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية )) , وإن هذا المجلس هو خليجي المنشأ والتركيبة , عربي الهوية والانتماء , إسلامي الجوهر والتوجه , عالمي الأهمية والارتباط , وان دوله جزء من العالم العربي الكبير , والعلاقة بين الجزء والكل في هذه الحالة علاقة عضوية قدرية , وليس خيارا مطروحا للنقاش , أو القرار السياسي.
مجلس التعاون لدول الخليج العربية دراسة في التكامل السياسي والاقتصادي
number:
538
Arabic
College:
department:
Degree:
Imprint:
علوم سياسية
Supervisor:
د. رفاه شهاب الحمداني
year:
2008