تُعد الأزمات المالية والتقلبات الدورية السمة المميزة للنظام الرأسمالي, إذ شهد هذا النظام منذ القرن التاسع عشر عدة انهيارات مالية, وشهدت بداية القرن العشرين أزمات أخرى ابتداء من أزمة الكساد الكبير 1929-1933, حتى تسارعت وتيرة الأزمات مع تزايد حركة رؤوس الأموال والتحولات التي شهدها الاقتصاد العالمي في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات وتزايد خطى العولمة .
وفي عام 2008, حدث انهيار لأكبر المؤسسات المالية والبنوك التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية, ثم أصيب النظام المالي العالمي بخلل كبير تسبب في نشوء أسوء أزمة مالية عالمية منذ أزمة الكساد الكبير 1929- 1933, مسببةً تباطؤاً كبيراً في الاقتصاد العالمي, وتكمن خطورة الأزمة المالية الراهنة وعنفها في كونها انطلقت من مركز المنظومة الرأسمالية (الاقتصاد الأمريكي) الذي يشكل نموه محركا لنمو الاقتصاد العالمي .
وقد انفجرت الأزمة المالية الراهنة عندما حصل عجز كبير في سيولة البنوك التجارية ومؤسسات الإقراض المالية على اثر ازدهار سوق القروض العقارية والتوسع في عمليات الإقراض في أسواق العقارات طوال السنوات السابقة للأزمة المالية, بغض النظر عن الملاءة المالية للمقترض والتساهل في المطالبة بضمانات كافية من قِبل الجهة المانحة للقرض سواء أكانت مصارف تجارية أم مؤسسات اقراضيه .
إن انخفاض أسعار العقارات بشكل حاد وامتناع المقترضين عن السداد كان البداية الأولى للازمة المالية الراهنة, وهذا ما جعل الأسواق المالية العالمية ولاسيما الأمريكية تعاني من صعوبات وتعثرات في تسديد الالتزامات المالية الدولية ومستحقاتها, فضلاً عن انتشار حالة اللايقين التي ساعدت في زيادة طلب سحب الودائع من قبل المودعين, وطريقة بيع الدين أو ما تسمى بطريقة (التوريق), وبهذا أخذت تظهر صور انهيارات متتالية لعدة مؤسسات مالية كبرى من مصارف, وشركات التأمين, وشركات التمويل العقاري, وصناديق الاستثمار, وبدأت تلك الانهيارات في الولايات المتحدة الأمريكية ثم تبعتها بعض المؤسسات المالية في أوربا ولاسيما في بريطانيا وألمانيا, هذا فضلاً عن أسواق النفط التي شهدت تقلبات حادة سواءً بالارتفاع أو الانخفاض, هذا إلى جانب التقلبات المستمرة في سعر صرف الدولار الأمريكي, وبهذا فالأزمة المالية الراهنة أزمة معقدة ومركبة, انطوت على عدة أزمات في الوقت نفسه, وهي مرشحة لتكون ليست أزمة مالية واقتصادية فحسب وإنما إلى أزمة اجتماعية وإنسانية وربما سياسية تفوق كافة الأزمات المالية والاقتصادية التي سبقتها.
وقد توقفت درجة تأثر كل دولة بالأزمة المالية الراهنة على درجة انفتاحها على الأسواق العالمية, وقوة الروابط التي تربطها مع منظومة الاقتصاد العالمي, ولما كانت دول مجلس التعاون الخليجي تتميز بأنها ذات درجة انفتاح اقتصادي ومالي مرتفع تجاه العالم الخارجي, لذا لا يمكن أن تكون بمعزل عن المتغيرات والأحداث الدولية وتبقى عرضة للتأثر بأي متغيرات سياسية واقتصادية عالمية, فدول المجلس قد تأثرت بالأزمة المالية الراهنة من حيث انخفاض أسعار النفط, وانخفاض الطلب عليه, وانخفاض قيمة الدولار, فضلاً عن الخسائر الكبيرة التي منيت بها الصناديق السيادية لدول المجلس, ومع ذلك استطاعت دول المجلس تجاوز الأزمة المالية بفضل ما تملكه من احتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية التي حققتها هذه الدول في الأعوام التي سبقت الأزمة المالية, وفق خطط وإجراءات وضعت للعلاج .
كان التوجه الكبير لعلاج الأزمة المالية هو بتدخل الدولة, فكانت هناك مساعٍ محلية ضمن نطاق كل دولة من دول العالم, فضلاً عن المساعي العالمية ضمن التكتلات والتجمعات الدولية, وبهذا أزاحت الأزمة المالية والاقتصادية أوهام الربح وتعاظم رأس المال, وفشلت الليبرالية الجديدة في المعالجة, وتراجعت أوهام العولمة المالية في ميادين أساسية, فتعددت محاور القوى الدولية من دون أن تؤدي إلى تعددية النظام العالمي .
الأزمة المالية العالمية وانعكاسها على اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي
number:
1451
Arabic
College:
department:
Degree:
Imprint:
علوم سياسية
Supervisor:
د. وسن إحسان عبد المنعم العزاوي
year:
2012