تمثل مؤسسات المجتمع المدني جوهر المجتمعات الديمقراطية المتحضرة، وهي منظمات تقوم بعملية تثقيف وتفعيل مشاركة الناس وحثهم على مواجهة الأزمات والتحولات السياسية التي تؤثر في مستوى حياتهم ومعيشتهم باعتبارها من أهم قنوات المشاركة الجماهيرية. بالإضافة إلى دورها في تأهيل وتدريب قيادات سياسية جديدة. لذلك، عندما نتحدث عن دور المجتمع المدني في عملية صنع السياسة العامة يتبادر إلى الذهن فورا الشريك الآخر والأساس في عملية صنع السياسة العامة ألا وهي الدولة. فهذه العملية هي من المهام الأساسية لأي دولة. بيد أن العملية لا تنطلق من فراغ، فهي عملية ذات طابع ديناميكي ونتاج تفاعل أطراف عديدة حكومية وغير حكومية، داخلية وخارجية، وما يتضمن ذلك من مشاورات واتصالات وضغوطات. وهذا أمر مسلم به في الفضاء السياسي وتحديدا في المجتمعات الديمقراطية. فهناك إقرار أن للجماعات المنظمة في المجتمعات الديمقراطية دورا أساسيا في عملية صنع السياسة العامة سواء من خلال تنافسها فيما بينها أو مع الدولة في سبيل التأثير على عملية صنع السياسة العامة وذلك بتقديمها مدخلات تمثل مقترحات حلول لمشاكل عامة تعاني منها شرائح معتبرة في المجتمع.يخوض عراق ما بعد 2003 تجربة بناء مجتمع مدني في ظل تحول نظامه السياسي من شمولي قام على الأحادية الحزبية إلى آخر ديمقراطي يعترف بالتعددية السياسية, فقد افرز هذا التحول الدراماتيكي أوضاعا جديدة شملت مفصل الحياة العامة. وقد كان لهذا الانتقال تأثيرا واضحا وجليا على الفضاء السياسي الذي يفصل بين المجتمع والدولة، فتفجرت الساحة السياسية بالعديد مما يطلق عليه بـ"مؤسسات المجتمع المدني" . وعلى الرغم من أن العديد من هذه المؤسسات، إن لم يكن جلها، حديثة العهد، إلا أنها في نفس الوقت شكلت نواة طبيعية لمتتاليات مجتمع مدني طوعي قادم في العراق، ذلك أن المجتمع العراقي شأنه شأن مجتمعات الدول الأخرى يطالب بأن يكون له دور في صنع القرار السياسي من خلال مؤسسات تمثله وتدافع حقوقه ومصالحه. وعلى الرغم من التحديات التي تواجه تجربة المجتمع المدني والدولة العراقية الحديثة , ولكن التطلع الواسع إلى تنامي تلك التجربة وتبلور مفهومها لدى المواطن ستخلق تكوينات وتنظيمات مجتمعية تسعى بدورها إلى تطوير وتوسيع المشاركة في صناعة القرار.