تشهد الاستراتيجيات الدولية تطورات متلاحقة، لاسيما واننا نعيش في عصر العولمة إذ تتفاعل متغيرات عديدة على جميع المستويات المحلية الاقليمية والدولية، وفي عصر يعاني وهناً في النظام الدولي، وغموضاً في المستقبل ويمر بتحولات جذرية يزداد ويتعاظم فيها منطق الصراع وسيادة القوة، وفي ظل هذا كله لم تعد ثقافة ادارة الأزمات الدولية ترفاً فكرياً، وانما اصبحت ضرورة ملحة. ولم يعد خفياً ان كثيراً من الأزمات الدولية قد مرت على العالم خلال العقود الماضية، ولا زالت هناك عدد من الأزمات التي تعصف بالعالم من حين الى آخر مما يصعب حصره وبيانه.ومن المُسَلّم به انه ما ان تنتهي ازمة حتى تنشأ ازمات جديدة، إذ تبدأ بإحداث صغيرة سرعان ما تتفاقم لتصبح أزمة تؤثر على الدول وعلاقاتها التي تجد نفسها متورطة بشكل او بأخر في الأزمة، او تجد نفسها طرفاً في الأزمة.وهنا تظهر أهمية ادارة الأزمة بفاعلية وآليات مواجهتها للخروج منها بأقل الخسائر واعظم الفوائد. وعادة ما تشهد الأزمة تطورات وبعملية دينامية متصاعدة، فكل أزمة لها مقدماتها واسبابها والمصالح المتقاطعة لأطرافها، ثم سرعان ما تنفجر الأزمة وتتفاقم احداثها وتتطور الى مرحلة حرجة، وتنتقل من موقف الى آخر، وقد يجد اطراف الأزمة انفسهم تحت ضغط عامل الوقت، إذ تفاجئهم الأزمة في معظم الاحيان وتسبب للنخب الحاكمة وصناع القرار ضغطا يتطلب السرعة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأزمة.وبالنظر لأهمية ادارة الأزمات بكفاءة وتقليل اثارها في الاستراتيجيات الدولية، فقد بدأت الدول والمنظمات بتطوير نظم ادارية خاصة لمعالجة هذه الأزمات, عبر تأسيس وكالات في بعض البلدان لأداره الأزمات، يعمل فيها متخصصون وخبراء عديدون, كما بدأت الجامعات بتدريس مادة ادارة الأزمات الدولية.وتعد الولايات المتحدة الامريكية من الدول الرائدة في مجال ادارة الأزمات الدولية، بل وصل الامر الى قيام صناع السياسة الامريكيين بتخطيط وافتعال بعض الأزمات (الادارة بالأزمة) لتحقيق المصلحة الامريكية من وجهة نظرهم، او خدمة لمصالح حلفاء الولايات المتحدة الامريكية. ولعل الأزمة السورية تمثل أنموذجاً لكيفية ادارة الأزمة الدولية في السياسة الخارجية الامريكية، إذ أن الولايات المتحدة الامريكية تحاول اظهار صورتها بأنها ذات القوة والسيادة العالمية والراعية لجميع الدول الضعيفة، وتتدخل بشكل مباشر وغير مباشر في معظم الاحيان، ان لم يكن في جميع الأزمات الدولية، التي تطرأ على صانعي السياسة الخارجية، ومنها تحديداً الأزمة السورية، والتي تعتبر ازمة اقليمية ودولية في نفس الوقت.