لا شك ان الجريمة العابرة للحدود عبر الوطنية تشكل خطراً متزايداً يمس المصالح العامة، على الصعيدين الوطني والدولي.واصبحت من الجرائم الحديثة التي افرزتها الحضارة المادية اذ تستمد ملامحها وأساليبها، وخصائصها المتطورة من مظاهر التقدم العلمي والطفرة التكنولوجية الحديثة وثورة المعلومات، إذ يمارس المجرم أنشطته الإجرامية بأساليب تقنية معقدة قد تتجاوز المألوف كدرجة يصعب في حالات كثيرة متابعتها وضبطها.ونجد أن زيادة الكثافة السكانية والهجرة غير المشروعة والتفكك الاجتماعي وتفشي الفساد ادى إلى انشاء المجال الخصب لنشوء لهذا النوع من الجرائم ما يصعب على أجهزة العدالة الجنائية السيطرة عليها ويصاب المجتمع بحالة عدم الاستقرار.ونظرا لما شهدته وتشهده البشرية من تقدم علمي ملحوظ في مجالات عديدة سواء في مجال تكنولوجيا المعلومات أو في علوم البيولوجي فقد لوحظ أن معدل تلك الجرائم اصبح مذهلاً جداً، إذ استطاعت هذه الجماعات الاجرامية أن تقطف ثمار عصر المعلوماتية وأن تعمد على توظيفها في أنشطتها الإجرامية والإرهابية العابرة للحدود بفضل براعتها واستغلال التطور العلمي، الأمر الذي أدى إلى حد نشاطها غير المشروع خارج الحدود الوطنية والإقليمية ليشمل النطاق الدولي بأكمله بهدف تحقيق الأرباح أو السلطة أو الاثنين معا.ويأتي اختيار هذا الموضوع العمل على بيان الجوانب الموضوعية لمجابهة الجريمة العابرة للحدود عبر الوطنية التي تهتم بدراسة الطبيعية القانونية للجريمة العابرة للحدود وبيان خصائصها وتحديد النص القانوني الواجب التطبيق على هذه الجرائم أي بيان مجموعة القواعد القانونية التي تحدد ما يعدّ من صور السلوك الانساني جرائم وما يترتب على ارتكابها من جزاءات.وبيان المشكلات التي تواجه الجريمة العابرة للحدود عبر الوطنية سواء في قانون العقوبات او في قانون الاجراءات الجنائية إذ إنها تتسم بالاستمرارية والعالمية والسرية واستخدم الأساليب غير التقليدية وغير المشروعة في ارتكابها.وتكمن إشكالية الدراسة في عدم وجود أحكام متفق عليها من الناحية الموضوعية لتحديد الجريمة العابرة للحدود عبر الوطنية لأن هذه الأحكام مبعثرة في نصوص القوانين العقابية من جانب ومن جانب اخر عدم وجود اتفاق فقهي أو قضائي حول معالجة تلك الاحكام.