ان القضاء بين الناس علم جليل فهو من اشرف العلوم واعلاها قدراً ، والقضاء له اهمية في حياة الشعوب وتقدمها فهو نبراس العدل وملاذ المظلوم والسد المانع لانواع الظلم ، ولمّا كان الانسان بطبيعته مجبولاً على الظلم والجهل والانانية فقد ارسل اليه رسله ليبينوا للناس حكمة وجودة وجعلهم قضاة ليحكموا بالعدل وحذرهم من ان يحيدوا عن الحق او يميلوا مع الهوى فقال تعالى مخاطبا داود عليه السلام ((يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ...)) ان القضاة هم صوت العدل ومحرابه الا انهم بشر يجري عليهم ما يجري على سائر البشر قد يصيب وقد يخطئ لذا اقرت النظم القانونية سلوك طريق (الشكوى من القضاة) لمساءلتهم عن اعمالهم التي تشكل اخلالا بوظيفتهم القضائية وبما انهم يقومون برسالة سامية وخطيرة ولضمان استقلال القضاء والحفاظ على هيبته. فقد افردت لهم النظم القانونية الحالات التي يمكن فيها مساءلة القاضي مدنيا وفق قواعد واجراءات خاصة تختلف عن القواعد المنظمة لمسؤولية الموظفين العاديين بالدولة وهذا ما سار عليه النظام القانوني العراقي.وتتجلى اهمية هذا البحث في انه يتعرض الى موضوع لم يشبع بحثا بالقدر المتناسب مع الاهمية الخاصة التي يتسم بها ، فهو يتعلق بالقضاة الذين يمثلون السلطة القضائية احدى سلطات الدولة الثلاث. فالقضاء سلطة وليس مجرد وظيفة من وظائف الدولة. فضلاً عن قلة المراجع القانونية التي تمس هذا الموضوع بشكل تفصيلي ودقيق ، وذلك لخلو المكتبات العراقية من بحث معمق حوله فضلاً عن ندرة التطبيقات القضائية ولاسيما فيما يتعلق بالقضاء العراقي. كل هذه الامور دفعتني الى اختيار موضوع الشكوى من القضاة ومسؤولية القاضي المدنية عن اخطائه عنوانا لرسالتي. لذا اعتمدت في بحثي المنهج التحليلي والمقارنة بين قواعد القوانين المقارنة مع احكام الشريعة الاسلامية مسترشدة في ذلك باراء كبار فقهاء واساتذة القانون وتطبيقات القضاء في الانظمة المقارنة ، مثل النظام المصري والسوري واللبناني فضلا عن العراقي. ومن اجل تغطية موضوع الدراسة اعتمدت خطة للبحث تغطي كافة جوانب موضوع الدراسة موزعة على اربعة فصول ، تناولنا في الفصل الاول ماهية الشكوى وتطورها التاريخي عبر العصور المختلفة ، ثم تحدثنا في الفصل الثاني عن نطاق الشكوى من القضاة ، وبحثنا في الفصل الثالث النظام الاجرائي للشكوى والاثار المترتبة عليه ، اما الفصل الرابع فتناولنا فيه البحث في مسؤولية القاضي المدنية ووسائل انتفاءها وفق القواعد العامة في المسؤولية. ثم ختمنا هذا البحث بخاتمة لما توصلنا اليه من نتائج ومقترحات التي نعتقد ان من شانها تطوير قواعد الشكوى من القضاة بما يساير تطور المجتمع ويحقق حسن سير العدالة ويؤمن التوازن بين مصالح المتخاصمين وحقوق القضاة ومسؤولياتهم على السواء.