ان مقتضيات الضرورة وتطبيقاتها تمتد جذورها الى زمن بعيد جداً في العلاقات الانسانية بصورة اكثر وضوحاً عند ظهور فكرة السلطة وأساليب ممارستها .فالظروف الاضطرارية تنشئ تعارضاً حتمياً بين نص قانون معين وبين ما تقتضيه طبيعة البشر و ما جبلت عليه من ضرورة المحافظة على الحياة وذلك امر ملازم للأنسان منذ نشأته الاولى حتى الوقت الحاضروقد عرفت الاديان السماوية فكرة الضرورة كما نظمتها قواعد الشريعة الاسلامية وتناولتها الاحاديث النبوية ووضع لها الفقهاء المسلمون اصولاً وقواعد كلية في مجال العبادات والمعاملات اما على مستوى القانون الوضعي فإن نظرية الضرورة بدأت اولاً في دراسات الفقه الجنائي فإذا كان مسلماً ان القانون الجنائي قديم جداً في صورته البدائية فإن حالة الضرورة جاءت منسجمة في قدمها مع قدم القانون الجنائي الا ان هذه الفكرة لم يتأخر ظهورها طويلاً في فقه القانون المدني ومن ثم فقه القانون الدولي العام وقد بدأ الحديث عن نظرية الضرورة في مجال القانون الدستوري مع بداية القرن الماضي على الصعيد الفقهي ولكن كان نصيبها قليلاً عند شراح القانون الدستوري مقارنة بغيرها من مواضيع القانون الدستوري ولأهمية نظرية الضرورة في ميدان القانون الدستوري لاسيما في الدولة القانونية التي تحكمها قواعد المشروعية في تصرفاتها القانونية كافة مما تصبح هذه القواعد قيودا مشددة على اداء السلطات العامة في الدولة عند مواجهتها لظروف غير اعتيادية يصعب معها احترام النصوص الدستورية والقانونية السائدة في الظرف العادي لذا جاءت دراستنا للاحاطة بهذه النظرية حيث يسود الدولة الحديثة مبدأ مهم يحكم علاقاتها بألافراد ويهدف الى اقامة التوازن بين حقوق الافراد وحرياتهم وبين ما للدولة من سلطات وقدرات .هذا المبدأ هو ما يعرف بمبدأ المشروعية ومقتضى مبدأ المشروعية انه يجب على كل سلطة من السلطات العامة في الدولة ان تتقيد في تصرفاتها بالقانون فلا تكون اعمالها وقراراتها صحيحة وملزمة للافراد الا بقدر التزامها حدود الاطار القانوني الذي تعيش الجماعة في ظله .