لقد شهدت المجتمعات البشرية وعلى مر العصور اشد الجرائم وحشية ، التي ارتكبت في حق الإنسانية في بقاع متعددة من العالم ، ووقفت السياسات الدولية والقوة العسكرية عاجزة عن وقف تلك المجازر والجرائم ، ولم تعرف هذه المجتمعات جهازاً قضائياً له قوة القانون من حيث القرار والتنفيذ على الرغم من الحاجة الملحة لمحاكمة الجناة . والجرائم الدولية التي ترتكب بحق الإنسانية ، نجد أنها من أخطر الجرائم في القانون الدولي ، لأنها تشكل مساساً خطيراً وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، والسبب يعود إلى النتائج المترتبة على الجرائم الدولية ، ولاسيما ( جريمة الإبادة الجماعية – الجرائم ضد الإنسانية – جرائم الحرب – جريمة العدوان ) ، حيث أنها تمس كرامة الإنسان وتهدر مصالح الجنس البشري وتشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان . ومما لا شك فيه إن تتبع الجرائم الدولية ومحاكمة مرتكبيها والمعاقبة الفعالة لهم يمثل عنصراً مهماً في تفادي وقوع هذه الجرائم ، وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية ، وتشجيع الثقة وتوطيد التعاون بين الشعوب وتؤدي إلى تعزيز السلم والأمن الدوليين . وإن من أنجح صور التعاون الدولي لمكافحة الجريمة الدولية والحد من أنشارها ومكافحة أثارها المدمرة هو التعاون القضائي الدولي الذي يمثل التزام الدول بالتعاون الدولي للقبض على مرتكبي الجرائم الدولية ، ومحاكمتهم عن جرائمهم وتوقيع العقوبات الرادعة لهم بما يتناسب مع جسامة هذه الجرائم ، وان أنجح وسيلة لمحاكمة الأشخاص مرتكبي الجرائم الدولية هو إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة ، تكون مختصة بمحاكمة هؤلاء الأشخاص ومعاقبتهم عن جرائمهم ، لان إذا أوكل إلى الدول مهمة القيام بمحاكمة رعاياها الذين ارتكبوا جريمة الإبادة الجماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب أو جريمة العدوان ، فإنها لن تقوم بمحاكمتهم محاكمة عادلة وحقيقية ، ولن تكون جادة في ذلك ، وسوف تكون محاكمات صورية كاذبة ، تنتهي إلى إصدار إحكام بالبراءة أو بتوقيع عقوبات بسيطة .وهكذا نجد إن أفضل وسيلة للحد من انتشار الجرائم الدولية هي محاكمة الأشخاص مرتكبي هذه الجرائم ومعاقبتهم ، وذلك أمام محكمة جنائية دولية دائمة تختص بالنظر في الجرائم الدولية الخطيرة التي تهدد مصالح المجتمع الدولي الجوهرية بالخطر .ومن أجل حفظ حقوق الإنسان في الأمن والسلام وحمايتها من الاعتداء عليها ، وانتهاكها من اجل وضع حدٍ للإعمال الوحشية والقتل الجماعي ، فقد أخذت المجتمعات البشرية تسعى إلى التفكير في إيجاد وسائل قانونية للحد من ذلك ، هذا وبدأ الضمير الإنساني يتحرك ضد أعمال القسوة والعنف والوحشية من خلال الدعوة إلى إيجاد نوع من المحاكم التي تتولى محاكمة مرتكبي الجرائم ، ووضع حد لارتكابها .