يعد موضوع المسؤولية المدنية من أهم موضوعات القانون المدني، فمن خلاله يتم تحديد المسؤول، فلا يمكن جبر الضرر دون تحديد المسؤول, ولا يمكن اقتضاء التعويض عن الضرر دون أن يكون هناك شخص يتحمل تبعة سلوكه الخاطئ, ولكن المسؤولية المدنية كما ان لها بداية فإن لها نهاية أيضاً، إذ يمكن أن تنقضي أما بالطريق الطبيعي وهو التعويض عن الضرر, أو بالاحرى رضاء المضرور بما قدمه المسؤول من تعويض أياً كان، أو قد تنقضي المسؤولية المدنية بطريق استثنائي, وهو ما تضمنه هذا البحث، فعلى مدى صفحات البحث كافة نجد وسائل يستطيع بها المدعى عليه دفع المسؤولية المدنية عنه، إذ لا يعقل أن يقال أن المدعى عليه أو المطالب بالتعويض هو مسؤول لا محالة، وهو ملزم بالتعويض قطعاً، لا بل أن القانون المدني، الذي يعتبر المسؤولية المدنية عموده الفقري، يضع وسائل بالنص عليها تمهد للمدعى عليه دفع المسؤولية المدنية عنه. كما هو الحال في القانون المدني العراقي وعلى وجه الخصوص المادة (211)، ولا يقتصر الأمر على الوقت الحاضر بل أن القانون الروماني قد أشار إلى إعفاء المدعي عليه من المسؤولية المدنية في حالة كونه لم يرتكب أي خطأ على الرغم من تحقق الضرر من فعله، حيث أشار القانون المذكور أنه متى ما كان الشخص يتمرن على الرماية في المكان المخصص لذلك وأصاب عبداً مملوكاً فلا مسؤولية على الأول.ولعل المسؤولية المدنية في الوقت الحاضر هي مهد مشكلات القانون المدني, وإذا كان هذا القانون يزخر في الواقع بالمشكلات في جل أجزائه، فإن حدة الخلافات في مشكلاته قد خفت إن لم تكن قد خمدت في غير المسؤولية، التي لا يزال الخلاف يستمر بأدواره في أمهات مسائلها وظلت تبعاً لهذا مجالاً واسعاً للاجتهاد بغية حسم النزاع فيها بالوصول إلى حلول مرضية, وإن كان تطور الحياة الاجتماعية الذي زاد من فرص وقوع الاضرار وتقدم الأفكار يدفع إلى تحقيق العدل بين الأفراد إلا أنه أدى إلى إذكاء النزاع لا إلى تخفيفه، ووضع المشكلة يكمن في أن كل فعل مضر بصورة خاصة هو تلاقي عدة مصادفات, وغالباً ما يحدث أن تكون أحداها، الظرف الفاعل عموماً الأكثر بروزاً وردة الفعل الأولى هي تسميته سبب الفعل، غير أن العلاقات بين العمل والمصادفة يمكن أن تكون مختلفة، يظهر بوضوح أن العمل هو سبب الضرر عندما يتم إنقياده عمداً للالتقاء بظروف أخرى مثلاً (اعتداء بعد مكيدة) والأمر أيضاً على هذا النحو، مع أن ذلك أقل بداهة عندما يكون للعمل وهدفه ليس الضرر، طابع شاذ، مثال ذلك (حركات كبيرة والسلاح في اليد).