يعد الاختلال الهيكلي ((Structural-disequilibrium مفهوماً حديثاً في حضوره في أدبيات الاقتصادي، على الرغم من أن الاختلالات هي ظاهرة قديمة، ظلت تتواجد على مر تاريخ المجتمعات، فألازمات التي حدثت للكثير من المجتمعات كان مردها في الغالب اختلالاً في هياكل الإنتاج، ففي التأريخ العربي – الإسلامي وفي عصر صدر الإسلام حدثت أزمة اقتصادية كان سببها وجود اختلال حقيقي في العرض الكلي، وهو ما سمي بعام الرمادة، كما إن العالم العربي أبو الحسن المقريزي قد شدد في أطروحاته (إغاثة الأمة في كشف الغمة) على وجود اختلال في المعروض من السلع الأساسية (الحبوب)، وهذا يعد اختلالاً هيكلياً في بنية الإنتاج آنذاك. لهذا فأن تأريخية الاختلالات ممتدة عمقاً في التأريخ، إلا أن مفاهيمها الاقتصادية الحقة، قد اكتملت مع نضج الفكر الاقتصادي والنظرية الاقتصادية.بيد إن هذه الاختلالات قد تم تجاوزها في الاقتصادات المتقدمة بدرجة ما من خلال مسيرة التطور الاقتصادي الطويلة وتوافر الإمكانات الكبيرة المرتكزة على بناء اقتصادي حقيقي، فيما بقيت البلدان النامية تنوء بثقل هذه الاختلالات وتجذرها الى زمن ليس بالقصير، على الرغم من أن دوافع البناء الاقتصادي والجهد الإنمائي المستهدف ظل يرفع شعار معالجة الاختلالات الاقتصادية الكامنة في هذه الاقتصادات.ولا يمكن بأي حال من الأحوال إعفاء النظم السياسية التي هيمنت على السلطة لمرحلة ما بعد الاستقلال والتي غابت عنها الرؤية الواضحة وحتى مسارب العمل الاقتصادي الطبيعي بأتجاه تفعيل الجهد الإنمائي وضبط إيقاع حركته صوب تخفيف انعكاس هذه الاختلالات على مركبات حركة الاقتصاد النامي بل لا نغالي، إذا قلنا أن حصاد (ثمار) التنمية المزعومة التي حملت لواءها هذه النظم كان حصاداً بائساً، وأن الاختلالات (والتي هي موضوع بحثنا) قد استوطنت هذه الاقتصادات.إن الغوص في غور هذه الاختلالات وبيان مسبباتها، سيتوزع على مداخل كثيرة منها مدخل الاقتحام الشديد للمجتمعات الأوربية لعوالم العالم المتخلف (النامي فيما بعد) وما تركه من آليات لازالت تفعل فعلها في تجذير هذه الظاهرة، ناهيك عن إن البلدان المتقدمة قد وضعت الآليات المتممة والمعوقة لأية جهود محلية، إلا وهي قسمة العمل الدولية. وإزاء حالة كهذه، ووصول برامج التنمية والنمو في العالم النامي الى طريق مسدود.