قامت الاستراتيجية الامريكية بعد احداث 11/ايلول 2001 بصياغة مبدأ مهم لفهم ومواجهة عالم ما بعد الحرب الباردة المحفوف بالأخطار. فسعى المفكرون تحت تأثيرات المحافظين الجدد لوضع أستراتيجية تستطيع بواسطتها الامبراطورية الامريكية ان تنظم عالما استطاع فيه خصومها الخارجيون ان يهاجموا اكثر المواقع قربا من القلب في الولايات المتحدة، وان يوجهوا ضربات ساحقة لأكثر الرموز أعتزازا مشكلة هذه تحديات جديدة ومن هذا المنطلق لم تعد الاستراتيجية التقليدية الاقدم ،كأستراتيجيات الدفاع والاحتواء والردع كافية بعد هذه الحقبة، لذلك أبتكر مفهوم جديد وهو (الادماج) كمفهوم رئيسي محرك للاستراتيجية الامريكية الشاملة بعد احداث 11/ايلول 2001. وقد تقاذفت هذه الاستراتيجية العديد من الاتجاهات والتيارات الفكرية التي مثلت بزوغا لدور المقوم الثقافي والفكري وكعامل اسناد لحركة السياسة الخارجية الامريكية.طالما بقيت ، التوجهات الفكرية تمثل الاساس الذي تبنى عليه ايقاعات التوجه الاستراتيجي الامريكي.ومن بين هذه التيارات ،تيار اليمين الامريكي المحافظ الذى لم تزل قراءته تثير الكثير من المفارقات التأريخية والتنظيمية على حد سواء ،ففي الوقت الذى يرى فيه البعض ان الامر الاكثر اهمية في توصيف وجود وولادة هذا التيار يكمن في انه لايوجد تحديد دقيق للأرتباطات وركائز قوة التيار اليميني الجديد ابعد من تحديد الخلفية الفلسفية والمواقع الحكومية النافذة لبعض رموزه في ادارة بوش الابن ،ويشير البعض الاخر الى محاججة تأريخية عملية مفادها ان معظم الوجوه البارزة في ادارة بوش الابن ليست جديدة على المسرح السياسي الامريكي حيث تعاقبت على احتلال المناصب في الادارات الجمهورية المتعاقبة منذ ادارة ينكسون فورد –الى بوش الابن مرورا برونالد ريغن.فاليمين الجديد هو نفس اليمين القديم، ولكن اليمين الجديد يطل في مرحلة جديدة غير مقيدة بأعتبارات الحرب الباردة وقاموسها الدبلوماسي ،فما كانت هذه المجموعة تقوله وتطرحه في الغرف المقفلة وفي اجتماعاتها الخاصة أضحى علنيا وأكثر وضوحا ،لاسيما بعد غياب الاتحاد السوفيتي وترسخ سياسة الباب الدوارفي الحياة السياسية الامريكية والتي ما تلبث ان تكشف عن حقيقة تناوب مجموعة محدودة على الحكم حيث الاتنقال من المناصب الحكومية الى أدارة الشركات الكبرى او مراكز الابحاث ثم العودة للحكومة مع توافر فرص الاداء التى تتلائم ورؤيتها الفكرية والسياسية رغم بقاءها ممثله لمصالح الشركات والمراكز التي جاءت منها .وتعكس ادارة بوش الابن في سياستها واسترا تيجيتها الكونية ذلك التحالف العضوي بين ما يمكن وصفه بالمثلث الحديدي المتمثل بتقاطع مصالح وقطاعات أضلاعه الثلاثة حيث المجمع الصناعي العسكري ،والمجمع النفطي ،والمجمع الاستشاري المالي ،وتتمثل قاعدته بالمجمع الصناعي العسكري الذي يقف وراء التنامي المفرط في حجم الانفاق العسكري ومجالاته لتصل ميزانيته المباشرة الى نصف ترليون دولار سنويا حسب الاحصائيات التي أعلنها البنتاغون بتأريخ 22/12/2003. ومما ساعد في بروز هذا التيار وحيويته الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة في 11/ايلول 2001 والتي احدثت تحولآ حاسما في تأريخها ،اذ غيرت سرعة ومدى التصور والتوجه الامريكي للواقع السياسي الدولي ووضعهما في مسار سياسي عسكري جديد يهدف الى مخاطبة واقع جديد في اتجاه جديد وفعال وشامل.لقد افرزت احداث 11/أيلول2001 رؤية سياسية في الادراك الامريكي كونها شكلت نقطة انطلاق في تغييربيئة النظام الدولي والتغيرالمتصور هنا هو تغير في قواعد ادارة العلاقات الدولية وفي انظمة بعض الدول او الوحدات التي تشكل عضوية النظام الدولي ،على النحو الذي يكرس آحادية قطبية (القطب الامريكي) وسيطرته على النظام الدولي وتعميم مبدأ الحرية الذي اتخذته الولايات المتحدة معيارا لسياستها منذ لحظة أنخراطها في شؤون العلاقات الدولية، بل وترسيخه كبوابة لأصلاح النظام الدولي ،وهنا بدأ اليمين الامريكي المحافظ بالظهور وقد تلقى مددا لاينقطع لرؤاه وافكاره طالما ربطت بما ينبغي أن يكون عليه النظام الدولي ،مما افرز مستدعيات مهمة للولايات المتحدة لكي تحافظ على مكانتها كقطب اوحد في العالم يتحمل مسؤولية أصلاح النظام الدولي الذي بدأ اكثر من أي وقت مضى ،حسب رؤية هذا التيار بحاجة الى جهود الولايات المتحدة والوثوق بسياستها لاسيما في أطار مكافحة الأرهاب ،وهكذا شكلت الحرب التي اعلنتها الولايات المتحدة بعد 11/ايلول 2001 ،ايذانا ببدء مرحلة دولية جديدة لاتأريخية للولايات المتحدة فحسب ،كونها شرعنت ما تخوضه من حرب طويلة بشكل تختلف عن مسارات الصراع السابقة التي خاضتها أثناء الحرب الباردة وما بعدها ،حرب تختلف فيها أليات الصراع والامكانيات واشكال الخصوم ولا تتكافأ فيها الامكانيات والقدرات وهي حرب تكاد تشمل كل اشكال الارهاب الذي يهدد المصالح الامريكية وبالتالي مصالح المجتمع الدولي. لقد زودت هذه المقاربة التيار اليميني الامريكي المحافظ ،فضلا عن الترويج لأطاريحه، بقدرة متنامية على نفث مشاريعه ودمجها في الاستراتيجية الامريكية الشاملة طالما ألتقت مع المصالح الامريكية وحماية مقتضيات الأمن القومي الامريكي من كل تهديد . حتى اذا ما استمر ذلك التهديد ،بدت الاستراتيجية الأمريكية الشاملة وكأنها صورة لما يعتقد به ذلك التيار .فيا ترى كيف وصل الحال الى هذا الحد؟ هذا ماتجيب عليه دراستنا.