عرفت المجتمعات البشرية مهمة الدفاع منذ القدم, بيد ان اداء هذه الوظيفة اتخذ أشكالاً مختلفة بحسب التطور الاجتماعي. وعندما بلغت المجتمعات ارقى مستويات تطورها التنظيمي بظهور الدولة, أفضى ذلك إلى تأسيس الجيوش, لا بل إن العديد من الدول, انطلاقاً من فلسفة سياسية معينة دفعت بجيوشها الى تخطي وظائفها الفنية (الدفاع), مما أفرز ما يسمى بالمؤسسة العسكرية, الأمر الذي استلزم أن يخصص لها من الموارد الحجم الملحوظ, مما جعلها تشكل قطاعاً حيوياً داخل الاقتصاد القومي لابد من ان يؤثر على غيره من مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. والاقتصاد بوصفه علماً أجتماعياً, قد اولى هذا القطاع اهمية كبيرة في اقتصادات الدول النامية, وبرزت العديد من البحوث والدراسات والدوريات والكتب المختصة في أقتصادات الدفاع, في حين أن ذلك لا ينطبق على اقتصادات دول العالم الثالث, فإنها لم تولِ هذا القطاع الأهمية التي تتناسب مع حجمه, وكإنما هذا القطاع شرٌ لابد منهُ ويجب تحمل النتائج المترتبة عليه, في حين انصب اتجاه معظم الدراسات التي تناولته نحو تقليل القوه بمفهومها التقليدي دون تقصي الدوافع والابعاد الاقتصاديه والسياسيه لحركيته, وترتب على ذلك معاناة المكتبة العلمية ولاسيما العربية من ثغره ملحوظة في موضوعات اقتصادات الدفاع او الاقتصاد العسكري. ومن هذا المنطلق سيكون تناولنا موضوع "اتجاهات الانفاق العسكري في الشرق الأوسط لما بعد الحرب الباردة: دراسة في الآثار الاقتصادية", اذ ان المدة التي اعقبت الحرب الباردة(1990-2010) رافقتها زيادات في الانفاق العسكري لدول الشرق الاوسط على خلاف باقي دول العالم, التي اخذ فيها الانفاق العسكري بالانخفاض, لذا لم يكن تناولنا منطقة الشرق الاوسط من محض الصدفة, وانما اختيرت للاجابة عن السؤال لم هذه الزيادات في هذه المنطقة خلافاً لباقي دول العالم؟, فضلاً عن ان اعباء الانفاق العسكري كانت ومازالت من اعلى اعباء في عالم ما قبل الحرب الباردة في المنطقة؛ ومابعدها كون ان اغلب دول المنطقة هي دول نفطية, لذا كانت زيادات الارصدة النقدية المتراكمة نتيجة لزيادات اسعار النفط, هي من اهم الدوافع لهذه الزيادات, وهذا يطرح سؤالاً ثانياُ؛ ما هي الابعاد الاقتصادية والسياسية لأعباء الانفاق العسكري المتزايدة؟ وبما ان الانفاق العسكري ليس ظاهره اقتصادية بحته, بل ينطوي على جوانب اقتصادية وسياسية واستراتيجية واجتماعية, ومن هذا المنطلق سيتم تسليط الضوء على موضوع الانفاق العسكري" وفق رؤية اقتصادية وسياسية واستراتيجية, لغرض تشخيص اهم محدداته وابعاده, املين في ذلك تقديم اسهام متواضع في هذا الحقل من حقول المعرفة.