السياسة الخارجية التركية حيال سوريا بعد الحرب الباردة

number: 
1485
عربية
Degree: 
Author: 
بلال طلال حمد الجوادي
Supervisor: 
الأستاذ الدكتور صالح عباس الطائي
year: 
2015

اتسمت السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا منذ نهاية الحرب الباردة عام 1990 م، وحتى
الوقت الحاضر، بالتوتر وعدم الاستقرار حيناً، وبالانفتاح والتعاون حيناً أخر، وتقف وراء ذلك
العديد من الأسباب التي دفعت بالسياسة الخارجية التركية إلى تبني هذه المواقف تجاه سوريا،
فخلال عقد التسعينات من القرن المنصرم اصطبغت السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا بالتأزم والتصعيد؛ نتيجةً لوجود عدد من المشكلات التي تعود جذورها إلى حقبة الحرب الباردة و ما قبلها، إذ إن هناك مشكلة لواء الاسكندرونة الذي اقتطع من سوريا أيام خضوعها للانتداب
الفرنسي، وجرى ضمه إلى تركيا عام 1939 م، والذي طالبت به سوريا مراراً بِعده جزءاً اُقتُطع منها دون موافقتها، وهناك مشكلة مياه نهر الفرات الذي ترفض تركيا اقتسام مياهه مع سوريا
لأنها تعده نهراً وطنياً وهي حرة التصرف به حتى يعبر حدودها، وإلى جانب هاتين المشكلتين (PKK) هناك مشكلة الأكراد، إذ إن تركيا تتهم سوريا بدعم متمردي حزب العمال الكردستاني بالسلاح وبتوفير معسكرات التدريب لمقاتليه قبل دخولهم الأراضي التركية لتنفيذ عملياتهم المسلحة، وكان لتطورات هذه المشكلات خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، إلى جانب كل من المتغيرات الداخلية (المتمثلة بسيطرة النخب العلمانية والمؤسسة العسكرية المعارضة للإنفتاح والتعاون مع الدول العربية على الحكم في تركيا)، والمتغيرات الخارجية ( المتمثلة بتأثير كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على صناع القرار في تركيا) انعكاساتها السلبية على السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا، وذلك بدفعها لتبني مواقف متصلبة ومتوترة لدرجة الوصول إلى حافة الحرب عام 1998 م، لولا أن تم توسط أطراف اخرى انتهت بتوقيع اتفاق بين الطرفين والذي تم خلاله تهدئة الموقف وتجاوز هذا التصعيد، ومابين أواخر عام 1998 م و أواخر عام 2002 م، بدأت السياسة الخارجية التركية تشهد نوعاً من الهدوء والاستقرار، ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا أواخر عام 2002 م، بدأت مرحلة جديدة في السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا قائمة على الانفتاح والتعاون، عملاً بالرؤية الجديدة للسياسة الخارجية التركية التي وضع اُسسها وزير الخارجية التركي الحالي (احمد داؤد اوغلو) عام 2001 م، وما تضمنته من تصفير للمشكلات مع دول الجوار، والانفتاح على جميع الدول بلا استثناء، بعد أن كانت رؤية السياسة الخارجية التركية تقوم على الانعزال عن دول الشرق الأوسط والتوجه نحو الغرب، وكانت سوريا إحدى الدول التي شملها الانفتاح الذي اتبعته السياسة الخارجية التركية، وخصوصاً أن لها مع سوريا حدوداً مشتركة يصل طولها إلى ما يقارب ال 800 ) كم، وإلى جانب هذه الرؤية الجديدة للسياسة الخارجة التركية، كان هناك المتغير الأبرز في المنطقة وهو إحتلال العراق عام 2003 م، ومارافقه من تدهور على الصعيد الداخلي العراقي والمخاوف من انتقال هذا التدهور إلى الدول المجاورة له، الأمر الذي شكل نقطة إلتقاء بين تركيا وسوريا، وكانت دافعاً أخر في التحسن الذي شهدته السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا، ولذلك فمنذ عام 2003 م، أخذت السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا بالتحسن والانفتاح شيئاً فشيئاً وبوتيرة متسارعة، ولم يقتصر هذا الانفتاح على المجال السياسي فحسب، بل شمل أيضاً المجال الاقتصادي والعسكري والثقافي، حتى وصل الأمر في نهاية العقد الأول من القرن الحالي إلى تشكيل المجلس الاستراتيجي العالي المستوى مع سوريا، والذي عبر عن أقصى درجات الانفتاح التي وصلت إليها السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا لدرجة إن نجاح السياسة الخارجية التركية أصبح يقاس بمدى نجاحها وانفتاحها على سوريا، ومع بدء الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير في سوريا في آذار 2011 م، بدأت السياسة الخارجية التركية تشهد منعطفاً جديداً تمثل بالتراجع التدريجي تجاه سوريا، واستمر هذا التراجع مع ازدياد وتيرة هذه الاحتجاجات، وتزامن هذا التراجع مع استضافة تركيا للمعارضة السورية والسماح لهم بعقد مؤتمراتهم فوق أراضيها، إلى جانب استضافتها للعسكريين المنشقين عن الجيش السوري، ثم ازداد هذا التراجع في السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا لدرجة مشاركتها في جميع الاجتماعات الإقليمية والدولية حول الأوضاع في سوريا والداعية إلى تنحي القيادة السورية عن الحكم، إلى جانب مساهمتها مع عدد من الدول في فرض العقوبات الاقتصادية على سوريا، حتى تحدث البعض بأن السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا قد عادت إلى ماكانت عليه قبل وصول حزب العدالة، بل حتى إلى ماقبل عام 1998 م.