كان اعلان الجمهورية التركية عام 1923، بداية لدور مهم للمؤسسة العسكرية على صعيد السياسة التركية بشقيها الداخلي والخارجي، نتيجة للدور البارز الذي لعبته تلك المؤسسة في حرب الاستقلال التي خاضتها ضد الإحتلال الأجنبي لتركيا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، أذ كان العسكر هم المتحكمين بزمام السياسة في عهد الجمهورية الأولى، وهذا ما يتبين من خلال تولي جنرالين في الجيش وهما مصطفى كمال أتاتورك، ومصطفى عصمت إينونو، أعلى منصبين في الدولة، حيث تولى الأول منصب رئيس الجمهورية، والآخر منصب رئيس الوزراء، بالإضافة إلى عضوية العديد من الجنرالات في المجلس الوطني الكبير، إلا إن مصطفى كمال أتاتورك تنبه، بعد تأسيس الجمهورية، إلى ضرورة إبعاد العسكر عن الحياة السياسية، وهذا ما شهدناه من خلال جملة الإجراءات التي اتخذها في سبيل إبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة، مع تأكيد دور تلك المؤسسة في حماية المبادئ العلمانية للجمهورية الجديدة، والنص على ذلك في عدد من التشريعات الدستورية والقانونية، إلا إن استبعاد العسكر عن السياسة من لدن مصطفى كمال أتاتورك لم يأت بثماره، إذ حاولت المؤسسة العسكرية أكثر من مرة وخلال سنوات حكم الحزب الديمقراطي لتركيا (1950-1960) التدخل بمجريات الإحداث والقضايا السياسية، لكن تلك المحاولات لم تنجح إلا في عام 1960، عندما قام صغار ضباط الجيش بالانقلاب على حكومة عدنان مندريس، وإلغاء إشكال الحياة السياسية كافة. جذر هذا الانقلاب لتدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية طوال المدة الممتدة من 1960-2002، من خلال المواد التي أدرجت في الدستور الذي أقره الإنقلابيون عام 1961، التي نصت على ضرورة تدخل المؤسسة العسكرية في مجريات الإحداث السياسية اليومية، من خلال زج عناصرها في المؤسسات المدنية المهمة، وتأكيد ضرورة حماية المبادئ العلمانية الأتاتوركية. إلا إن مجئ حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا عام 2002، كان له الأثر الفاعل في تحجيم الدور السياسي للمؤسسة العسكرية، في سبيل فك الحصار العسكري المستمر منذُ عام 1960 على المؤسسات المدنية من جهة، ولتلبية متطلبات الانضمام إلى الاتحاد الأوربي من جهة أخرى.