الحكومات المحلية وصنع السياسة العامة في العراق: مجلس محافظة بغداد إنموذجا

number: 
1614
عربية
Degree: 
Author: 
علي عبد الرزاق شنشول موسى الخفاجي
Supervisor: 
الأستاذ الدكتور لبنان هاتف الشامي
year: 
2012

تعد إدارة الشؤون المحلية نمطا سياسيا وإداريا معروفا منذ إجتماع الناس على مساحة محددة من الأرض على مر التاريخ, إذ شكل النمط اللامركزي وطبيعته عدة أشكال مختلفة, وتطور هذا النظام مع تطور وتوسع دور الدولة وإتساع نطاق عملها وإزدياد مهماتها, فعمدت الكثير من الدول إلى توزيع السلطة السياسية والوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية وبين الهيئات المحلية بشكل منظم, فأصبح التنظيم اللامركزي للدولة يقوم على أساس المزج بين صورتي المركزية واللامركزية, والهدف منه هو تأمين حياة أفضل للمواطنين عن طريق تعزيز المشاركة الجماهيرية في العمل السياسي والإداري من خلال منحهم حق إدارة شؤونهم المحلية, وإشراكهم في عملية صنع القرار السياسي والإداري.وشهدت السنوات الماضية اهتماما متزايدا بموضوع اللامركزية بأبعادها السياسية ، والاقتصادية، والمالية, والإدارية, وقد جاء هذا الاهتمام في إطار الاتجاه إلى توسيع نطاق مشاركة المواطنين ، ودورهم في عملية الحكم، وتقليص ادوار الدولة في الإنتاج، والإدارة المباشرة لمؤسساته، ومنح القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني دورا اكبر في عملية التنمية . وقد عبرت عن ذلك الاهتمام، تقارير البنك الدولي عن التنمية في العالم تحت العديد من العناوين مثل "تحقيق اللامركزية وإعادة التفكير " وجعل الدولة أكثر قربا من الناس ، والتحول إلى المحليات .كما تجلى الاهتمام باللامركزية في تبني العديد من دول العالم التي أخذت بصورة أو بأكثر من صور اللامركزية السياسية والإدارية, مثل تبني النظام الفيدرالي, أو النظام الإتحادي بصيغة الحكم المحلي, أو الإدارة المحلية, والاتجاه إلى اللامركزية في الوقت الحالي على عكس ما حدث في الخمسينيات والستينيات إذ أصبح يتعين على الحكومة المركزية في هذه الحقبة أن تواجه التحديات في إطار التحول من النظام المركزي إلى النظام اللامركزي, كونه يختلف عن الاتجاهات السابقة من حيث النظرة أليه, فقد رءآه الاقتصاديون الذين تأثروا بالأفكار الليبرالية الجديدة وسيلة لنقل السلطة من الدولة المركزية, كما نظر أليها المدافعون عن التعددية السياسية على أنها وسيلة لإعطاء الجماعات المحلية مساحة من الحرية والقدرة على التنظيم والمنافسة ورآها قادة بعض النظم الدكتاتورية في الدول الأسيوية، والأفريقية بديلا عن الديمقراطية على المستوى القومي ووسيلة أمنة لاكتساب المزيد من الشرعية المطلوبة، والدعم من الوحدات في المستويات الأدنى ، في حين رآها السياسيون، والديمقراطيون على المستوى القومي في الدول النامية وسيلة لجعل الحكومة أكثر استجابة للاحتياجات، والأولويات المحلية.لذلك فإن العديد من الدول التي تأخذ بالنظام الفيدرالي أو النظام الاتحادي أو اللامركزية الإدارية في الحكم , تسمح للحكومات المحلية وفقا لدساتيرها أو بقوانين تشرع لهذا الغرض إلى المبادرة لاقتراح النصوص التشريعية أو تعديلها لتحقيق هذه الغايات، وكذا كلما بدا لها أن هذا الإجراء سيسهم في تحقيق الأهداف المحلية وبما ينسجم مع السياسة العامة للدولة المعتمدة أو المرسومة في إطار برنامج عملها أو خططها.أما تطبيق نظام الحكومات المحلية اللامركزية على مستوى المحافظات العراقية فقد جاء حديثا بصورته السياسية والإدارية, فعلى الرغم من منح الحكومات السياسية السابقة التي توالت على حكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى ما قبل العام 2003 اللامركزية الإدارية إلى المحافظات أو حتى الحكم الذاتي في إقليم كردستنان, إلا أنّ الصلاحيات السياسية والإدارية لم تكن ممنوحة بالمقدار الممنوح حاليا في الدستور العراقي لعام 2005 أو في قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لعام 2008, إذ تم منح المحافظات العراقية الحق في صلاحية التشريع المحلي وصنع السياسة العامة على المستوى المحلي, على أن لا يتعدى التشريع وصنع السياسة العامة الحدود الجغرافية والإدارية للمحافظة.على هذا الأٍساس, أصبحت المحافظات العراقية تتشارك مع السلطات الإتحادية وسلطات الأقاليم في عملية الحكم والإدارة من خلال مشاركتها عملية صنع السياسة العامة معها جنبا إلى جنب, وبالتنسيق الكامل مع السلطات الإتحادية المركزية, وتلتزم الحكومات المحلية بعدم الخروج في تشريعاتها وسياساتها المحلية على الدستور أو القوانين الإتحادية النافذة, إلا هذا الموضوع وما افرزه من تغيير في بعض النظم السياسية والقانونية المعروفة في العراق} بمركزيتها التشريعية{ , وبروز دور مجالس المحافظات كسلطة تشريعية محلية دفعنا إلى عملية البحث عن دقة وصحة هذا الأمر في مسألة سن التشريعات المحلية إلى جانب التشريعات المركزية من خلال البحث النظري عن الحكم المحلي والسياسة العامة والبحث العملي عن الحكومات المحلية في العراق والبحث الميداني عن نموذج معين لصنع السياسة العامة وتم إختيار أنموذج الحكومة المحلية في محافظة بغداد, والمتمثلة بمجلس المحافظة والمجالس المحلية والوحدات السياسية والإدارية التابعة له.