العلاقات الروسية - الصينية بعد أحداث11 أيلول 2001: منظمة شنغهاي للتعاون إنموذجاً

number: 
1564
عربية
Degree: 
Author: 
- عباس فاضل علوان.
Supervisor: 
الأستاذ المساعد الدكتور قاسم محمد عبد
year: 
2012

مَثَّلَ إنهيار الاتحاد السوفيتي السابق وإنتهاء الحرب الباردة نقطة تحول تأريخية في النظام الدولي المعاصر، فهذا الانهيار لم يتسبب فقط بإنهاء حالة الإستقطاب الايديولوجي والسياسي الذي طغى على العلاقات الدولية مشكلاً صورتها وأنماط تفاعلاتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية فحسب بقدر ما عمل أيضاً على فتح منافذ جديدة لتشكيل هيكلية مستحدثة للنظام الدولي حتى وأن كانت فيها الولايات المتحدة الأميركية قد حققت أسبقية في التفوق السياسي الى الحد الذي جعلها تشعر أنها القطب الدولي الأوحد المهيمن على صنع القرار الدولي الا أن هذه الهيكلية لم تستقر فقط على الجانب السياسي لانها سرعان ما تشظت الى جوانب إقتصادية وعسكرية بحيث برزت قوى إقتصادية مثل اليابان وألمانيا والصين بدأت تنافس السيادة الاقتصادية الأميركية العالمية وتؤدي أدواراً فاعلة باعتبارها قوى منفردة ومن ثم في إطار التحولات المستمرة في النظام الاقتصادي والتجاري العالمي الذي بدأ يستمد مصادر قوته وتطوره من ثورة المعلومات واتساع نطاق الإتصالات ووسائل النقل وهو ما خلق تشابكاً في العلاقات الدولية الى الحد الذي تداخلت فيه الابعاد السياسية والجيو – استراتيجية مع الأبعاد الاقتصادية وإختلط فيه أيضاً البعد الدولي مع البعد الداخلي والقومي مع المحلي، نقول أنه في إطار اشتداد المنافسات الاقتصادية والتجارية التي باتت تميز العالم اواخر القرن العشرين أضحت القوى المنفردة غير قادرة على الاستمرار في المواجهة بصفتها القومية فكانت الفكرة بناء تكتلات تتجاوز القومية نحو الاقليمية فدخل العالم عندئذ ضمن مرحلة تأسيس الفضاءات الاقتصادية المتعددة الدول وعُدت الترتيبات الاقليمية جزءاً من سياسة القوى الكبرى.وعلى هذا الاساس نشأت تكتلات اقليمية مثل أوروبا الموحدة التي وضعت بذورها اتفاقية (ماسترخيت) لعام 1992 ومن ثم تحولت الى الاتحاد الاوروبي ونشأ تكتل النافتا في أميركا الشمالية وبعدها الايبيك والاسيان وغيرها وأصبحت هذه الفضاءات الاقتصادية – التجارية الأساس لإعادة هيكلة العلاقات الدولية فترة ما بعد الحرب الباردة. اذاً الانهيار السوفيتي وطغيان العولمة أسهما بشكل منقطع النظير في إعادة تنظيم أنساق القوة بين المراكز الدولية وإرساء الأسس اللازمة لتشكيل هيكلية تولي اهمية للابعاد الجيو - اقتصادية وهذه هي نقطة الانعطاف التاريخي في العالم السياسي المعاصر. ولم تكن روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفيتي السابق والصين بمعزل عن هذه التحولات السياسية والاقتصادية التي بات يشهدها العالم وربما يمكن القول، بتواضع، انهما كانا أكثر الدول التي وجدت في هذه التحولات بمثابة تحديات تواجهها ويتحتم التعامل معها بحكمة لاستثمار الفرص التي تنطوي عليها، فهذه التحولات أشرت بما لا يدع مجالاً للشك أن الرأسمالية باتت السيد المهيمن في التعاملات الاقتصادية الدولية وأن النظام القائم على حرية التجارة والملكية الفردية لوسائل الانتاج بمعنى اقتصاد السوق هو الاكثر انتشاراً على صعيد العالم لا سيما بعد انتصاره في المواجهة الايديولوجية مع المعسكر الاشتراكي – الشيوعي والتي استمرت لما يزيد عن 45 عاماً، وبغض النظر عن مدى صحة فرضية (فرانسيس فوكوياما) في كتابه (نهاية التأريخ والانسان الأخير) حول (انتصار الرأسمالية) في صراعها مع الشيوعية و(الحتمية) التي أضفاها على هذا الإنموذج الاقتصادي لكونه حسب وجهة نظره يمثل (نهاية التأريخ) فأن كلاً من الصين وروسيا وجدا في هذا (الانتصار) الايديولوجي والهزيمة التي لحقت بالشيوعية بمثابة إنكسار لنظمها الفكرية ولهذا كان التعامل مع هذا التحدي يمثل أولوية بالنسبة لكلا البلدين. ان تجارب كلتا الدولتين في التعامل مع هذا التحدي (التمدد الرأسمالي) يوحي بوجود اختلاف في الطرق والاساليب التي اتبعوها لاحتواء هيمنة الغرب على بلدانهم، فالصين كانت اسبق من روسيا في تبني، بعض فرضيات الرأسمالية من خلال سياسات الاصلاح الاقتصادي التي بدأت بتطبيقها منذ عام 1978 ومن ثم أخذت تدريجياً بالتحول نحو الرأسمالية على الرغم من بقاء الشيوعية أساساً فكرياً لنظامها السياسي وبقاء الحزب الشيوعي الصيني كحزب حاكم يحتكر السلطة والنفوذ ممانعاً لإنشاء حياة سياسية قائمة على التعددية، أما روسيا فتقبلت الرأسمالية كنظام اقتصادي وتنظيم سياسي كنتيجة حتمية لهزيمة الاتحاد السوفيتي وتفككه وجاهدت من اجل توظيف التحول نحو الرأسمالية الى مصدر قوة لبناء الدولة الجديدة واستعادة مكانة الدولة العظمى على الرغم من الصعوبات الجمة التي رافقت عملية التحول والانتقال والتي لم تخلوا من كثير من مواطن الضعف في عملية إعادة البناء الاقتصادي. ويبدو من خلال المتابعة لتاريخ العلاقة بين البلدين ان كليهما يولي أهمية لهذه العلاقة كونها في بعض جوانبها مستوحاة من أن كليهما كانا يمثلان، بشكل كامل، نظاماً شيوعياً مواجهاً للنظام الرأسمالي الغربي ومن ثم بدءا باعتماد الراسمالية بدرجات متفاوتة، ولعل هذا التبني المشترك الصيني والروسي هو بمثابة إقرار منهما بفاعلية الرأسمالية كتنظيم اقتصادي في الوقت الذي أثبتت فيه الشيوعية فشلها كنظام إقتصادي – سياسي تطبيقي ولهذا فانَّ هناك الكثير من المشتركات التي تجمع كلا الطرفين ليس فقط جغرافياً ولكن أيضاً تاريخياً واستراتيجياً دون أن نغفل عن حقيقة أن بعض بواعث المنافسة والمجابهة الإقتصادية ما زالت تؤطر علاقة الطرفين بالولايات المتحدة الأميركية كما أن الخشية السياسية المتبادلة الثلاثية (روسيا والصين والولايات المتحدة) لها أثر في تشكيل إتجاهات هذه العلاقة.