توظيف فكرة الفوضى الخلاقة في الإستراتيجية الأمريكية الشاملة بعد أحداث 11/أيلول 2001 " الشرق الأوسط أنموذجاً "

number: 
1567
عربية
Degree: 
Author: 
علي بشار بكر أغوان
Supervisor: 
أ.م.د سرمد زكي الجادر
year: 
2012

يعد الربط بين جدلية ما هو كائن وما يجب ان يكون فيما يخص الولايات المتحدة ، من المتلازمات الذهنية التي لا يستطيع أي مفكر استراتيجي في الولايات المتحدة الاستغناء عنها، فالهدف الاستراتيجي عندما تبدأ ملامحه بالوضوح من ثم يخرج على شكل مشروع استراتيجي شامل يحاكي فيه ما يجب ان يكون عليه الوضع إقليمياً ودولياً ، كان يرافق ويلازم عقول منظري الإستراتيجية الأمريكية بالأزمنة المختلفة ، فالأمر الذي يميز الفكر الاستراتيجي الأمريكي انه ذو أبعاد ودلالات حركية وديناميكية عالية ، ولا يهمل أبداً البعد المستقبلي واحتمالاته القادمة ، لاسيما في استيعاب ما هو عليه الوضع إقليمياً ودولياً (ما هو كائن) وإعادة توجيه مساراته باتجاه ما (يجب أن يكون) .فالفعل الاستراتيجي للولايات المتحدة (بمعنى آخر الأداء الاستراتيجي للولايات المتحدة) هو انعكاس طبيعي لما يدور في دوائر التفكير التابعة للمؤسسات الرسمية وغير الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية ، والهدف الرئيس من هذا التلاقح الفكري ما بين الإدارة الأمريكية والجهات غير الرسمية (مفكرين أو مراكز تفكير)هو استيعاب اكبر قدر ممكن من الأفكار وتوظيفها وجعلها آلية من آليات التعامل مع متغيرات البيئة الإستراتيجية،وقدر تعلق الأمر بموضوع توظيف فكرة الفوضى الخلاقة في الإستراتيجية الأمريكية الشاملة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 "الشرق الأوسط أنموذجا" فإن المتمعن في تفاصيل فكرة الفوضى الخلاقة ومتعلقاتها ودلالاتها الإقليمية وانعكاساتها على البيئة الدولية ، سيجد ان هذه الفكرة لم تأتي عن طريق الصدفة ، إنما جاءت لتثبت كل ما سبق من طرح حول تكوين هذه الفكرة نتيجة لتلاقح أفكار على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي،وهي أيضاً وجدت خصيصاً لتكون إحدى آليات تحقيق الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية.
فقد تكونت هذه الفكرة (بصورتها الحالية) بعد تكوين مشروع الشرق الأوسط الكبير لكي تكون إحدى متلازمات هذا المشروع ، فالعلاقة ما بين فكرة الفوضى الخلاقة ومابين مشروع الشرق الأوسط الكبير تمثل علاقة طردية موجبة و متلازمة ذات أبعاد ودلالات تدفع المعنيين بالإستراتيجية الأمريكية للتمعن قليلاً في كيف ان الفوضى الخلاقة جاءت متلازمة مع مشروع الشرق الأوسط الكبير . لذا فأن موضوع الفوضى الخلاقة والأمور الأخرى ذات الصلة ، تتطلب دراسة معمقة والبحث في جزئيات وكليات التوظيف الأمريكي لهذه الفكرة ، فقد عملت الإدارة الأمريكية لاسيما بعد أحداث 11 أيلول /سبتمبر 2001 ، على إحداث تغيير جذري في كيفية تعاملها مع البيئة الإستراتيجية للشرق الأوسط ، و يتطلب هذا التغيير من صانعي الإستراتيجية الأمريكية توظيف مفاهيم عديدة وإدخالها في برامج إصلاحية للمنطقة ، فالديمقراطية وحقوق الإنسان تمثل إحدى أهم المفاهيم الناعمة و(السامية والمقدسة بالنسبة للولايات المتحدة) التي عملت الإدارة الأمريكية على توظيفها وإدخالها للشرق الأوسط عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير ، ومن ثم يمثل توظيف الفوضى الخلاقة أحد أهم المفاهيم التي عمل العقل الأمريكي على زرعها في هذه المنطقة وبلورتها لإنشاء بيئة مجزئة سهلة التعامل والتكوين وإعادة الترتيب بالنسبة للفعل الاستراتيجي الأمريكي .إذ تكمن الفكرة الأساسية للفوضى الخلاقة في ان التعامل مع منطقة معقدة دينياً وطائفياً وقومياً ذات أزمات وصراعات مزمنة تكمن في ان توظيف هذه الأزمات واستغلالها تمثل فرصة تكتيكية تهيئ وتمهد الطريق لتحقيق الهدف الرئيس وهو تقسيم هذه المنطقة الى دويلات دينية وطائفية وقومية ، ويجب ان يسبق هذا التقسيم بحالة من عدم القبول الديني الطائفي القومي الذي يقتل بدوره روح التمسك بالوحدة الوطنية للبلاد والبحث عن الخلاص مهما كانت نتائجه حتى ان وصلت للتقسيم والتجزئة ، فالفوضى الخلاقة بهذا الوصف تعني بالنسبة للإدارة الأمريكية (الهدم وإعادة البناء) وهذا الهدم الذي يقوم على تجزئة دول قائمة بذاتها تحوي على تنوع ديني وطائفي وقومي ، لتخلق من هذه الدول ذات التنوع ، دولاً جديدة مستقلة بذاتها دينياً وطائفياً وقومياً تقوم أسسها على أنقاض الدولة الأم المشتملة على التنوعات السابقة .وتبحث الإستراتيجية الأمريكية الشاملة وعبر واضعيها ، دائما في بطون التاريخ لكي تجد أفكاراً ورؤى وطروحات تعمل على إعادة توجيهها وتحريك مساراتها من ثم إنتاجها من جديد لكي تأخذ طريقها للتنفيذ عبر مشاريع ذات أبعاد زمنية طويلة ، إذ يشير الترتيب الزمني لأبرز الطروحات التكتيكية التي وظفها وأنتجها وأعاد توجيهها العقل الاستراتيجي الأمريكي بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر2001 الى ان أولى طروحات الفكر الاستراتيجي الأمريكي فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب التي تعد إحدى مرتكزات الإستراتيجية الأمريكية في مرحلة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001 ، كانت الضربة الوقائية من ثم تطور هذا المفهوم ليصل للضربة الاستباقية التي طبقت في البيئة الشرق أوسطية والمتمثلة في حرب أفغانستان 2002 من ثم حرب العراق 2003 ، ليصل العقل الاستراتيجي الأمريكي بعد ذلك الى مرحلة متطورة أخرى من مراحل الإستراتيجية الأمريكية الشاملة وهي فكرة توظيف الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط التي تستهدف إحداث تغيير(هدم) للأنظمة الدكتاتورية (المعادية و الحليفة) للولايات المتحدة (والمعزولة شعبياً وهذا سبب مهم من أسباب إحداث هذا التغيير) ومن ثم (بناء) نظام شرق أوسطي جديد يقوم على دويلات جديدة ذات أبعاد ودلالات دينية وطائفية وقومية.لذا برزت طروحات في الإستراتيجية الأمريكية الشاملة قديمة في التداول وحديثة من حيث التوظيف وتغيير المسار ، فقد وظفت الإدارة الأمريكية طروحات القوة الناعمة فضلاً عن توظيف فكرة الفوضى الخلاقة في تحقيق الهدف الاستراتيجي الأمريكي في الشرق الأوسط ، ثم ما طوره منظرو الإستراتيجية الأمريكية من فكرة القوة الناعمة الى فكرة أخرى تكمن في توظيف ما هو ناعم وصلب من أدوات قوة لتخرج لنا بطروحات نوعية جديدة تحت مسمى القوة الذكية ، التي تقوم على استخدام الأداة الصلبة والناعمة واستعمالها في تحقيق الأهداف الأمريكية بحسب كل حالة ، وما حدث في الشرق الأوسط في نهاية العام 2010 وبداية العام 2011 من تغيير للأنظمة الدكتاتورية ، لا يخرج بالنسبة للبعض من دائرة الفوضى الخلاقة والقوة الذكية بتفرعاتها الناعمة والصلبة ، على هذا فأن كل ما سبق من طرح يمثل المقدمة للدخول في تفاصيل البحث والتقصي في مكونات الإستراتيجية الأمريكية ، وما شملته من توظيف لمفاهيم كانت بمثابة الآلية التي أدخلت في مشروعها لتقسيم الشرق الأوسط وتجزئته الى دويلات قومية دينية طائفية على مراحل متعددة .