يعدّ العراق من أهم دول منطقة الخليج العربي اذ يمثل نقطة الارتكاز نحو التوسّع لأية سياسة خارجية على المستوى الدولي، لما يمتلكه من موقع جيوستراتيجي فضلاً عن إمكاناته المادية، لذا يخطأ من يظن أن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في العراق ، ترتبط بحقبة معينة ، أو حدث معين ، فأية عودة إلى ملفات التاريخ ، تكشف حقيقة مهمة وهي أن هذه المصالح ، تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، ومنذ ذلك الوقت يحتل العراق مكانة متقدمة في أروقة السياسة الخارجية الأمريكية، حتى انه يعد في الأدبيات السياسية الأمريكية ، بلداً أساسياً ، ومفتاحاً مهماً ( Key Country ) من مفاتيح الشرق الأوسط.إلا انه حصلت تطورات في العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية ولا سيما بعد ثورة 14 تموز 1958، التي ولدّت تجاذبتها العديد من العوامل، وبعد عام 1968، ازداد التقاطع بين إيديولوجية السلطة في العراق-آنذاك- وبين الولايات المتحدة ولا سيما بعد صدور قرار تأميم النفط العراقي عام1972، الأمر الذي قاد الى ان تتخذ على نحو ملحوظ ، و في عديد من المواقف ، طابع عدم الارتياح المتبادل واستمرت هذهِ التجاذبات في السنوات اللاحقة. ومما تجدر الإشارة إليه، هو ان السنوات الأخيرة من ثمانينيات القرن الماضي وبداية التسعينيات منهُ أسفرت عن أحداث تغيير مهم في شكل النظام الدولي ومضمونه، ولعل أبرزها على المستوى الدولي ، تفكك الاتحاد السوفيتي، مما أدى إلى بروز الولايات المتحدة الأمريكية وانفرادها في زعامة النظام الدولي من دون وجود منافس كفء لها . في حين انعكست آثار تلك المتغيرات على المستوى الإقليمي، إذ بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالتصرف بحرية شبه مطلقة في المنطقة، بالاتجاه الذي ينسجم مع مصالحها، إذ أصبحت تضطلع بدور مميز من سواها، بحيث حازت على هيمنة تكاد تكون متحكمة في السياسة الدولية تسعى إلى إعادة تشكيل المنطقة على وفق مخططات تنسجم مع طموحاتها ومصالحها ، ومن هنا كانت بحاجة إلى فعل سياسي دولي يؤكد هيمنتها السياسية الدولية ويضمن لها انسياق دولي وإقليمي، فكانت حرب الخليج الثانية عام 1991، بعد غزو العراق للكويت في 2/أب/1990 هي الفعل العسكري والسياسي الذي أكد سيطرة الولايات المتحدة وهيمنتها على منطقة الخليج العربي، وقامت الأخيرة بأستحصال سلسلة قرارات ضد العراق من مجلس الأمن مما أدى إلى استنزاف قواه العسكرية والسياسية والاقتصادية طيلة مدة التسعينيات من القرن الماضي، وقد وصل المحافظين الجدد بقيادة الرئيس الأمريكي السابق (بوش) الابن عام 2000 الذين أكدوا بأنهم يحملون دوافع قيمية دينية، فضلاً عما أسموه دول (محور الشر) أو (الدول المارقة) الذين عدوا العراق من ضمنها وتسارعت الأحداث حتى جاءت إحداث 11/ أيلول 2001، لتعلن الإدارة الأمريكية ارتباط النظام العراقي السابق بملف الإرهاب، وامتلاكه أسلحة الدمار الشامل، وغيرها من المسوغات وكان الهدف منها احتلال العراق عام 2003، الذي أرادت فيه إيصال رسالة تهديد إلى دول المنطقة والعالم مفادها كما وضحها الرئيس الأمريكي السابق (بوش) " من لم يكن معنا فهو ضدنا". ومن جانب آخر، فإن النظرة الجيو سياسية التي تهيمن على فكر الإدارة الأمريكية تجاه العراق , والتي تنبع من الرغبة في بسط الهيمنة العالمية , لا تقتصر فقط على الاحتفاظ بقواعد عسكرية حول العالم في أي وقت تريده , ولكنها أيضاً ترى ضرورة التحكم في مختلف مصادر الموارد الطبيعية المؤكدة والمحتملة , التي يأتي على رأسها النفط ، إذ يمتلك العراق ثاني اكبر احتياطي عالمي في الوقت الذي يقابله تضاؤل الاحتياطي الأمريكي وتراجع إنتاجها، فضلاً عما هو إن ما أرادت تحقيقه الإدارة الأمريكية من الناحية العملية عن تنفيذها لعملية احتلال العراق، إذ هدفت أن تكون هذه الدولة بالتحديد المرتكز الرئيس لتنفيذ (مشروع الشرق الأوسط الكبير)، بتقديم العراق بوصفه أنموذجاً ديمقراطياً للمنطقة، (وصديقا للولايات المتحدة ، وداعما لجهودها في العمل ضد الإرهاب)، ويجب أن تسير على خطاه الدول الأخرى ، أي أن سيكون العراق أحدى الأدوات التي تستخدم لترويج الديمقراطية في المنطقة، الأمر الذي يجعل دول المنطقة العربية وكأنها قبالة إرادة دولية تمثلها : الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تعتزم على تغيير المنطقة، وإعادة تشكيلها من جديد، بشكل يتناسب مع توجهات الولايات المتحدة الأمريكية ورغباتها .