التعاقب على السلطة وعدم الاستقرار السياسي في العراق (1921 – 2005 )

number: 
1658
عربية
Degree: 
Author: 
جاسم محمد دايش
Supervisor: 
أ‌. م . د / مهـا عبد اللطيف حسن الحديثي
year: 
2013

تُعَد السلطة السياسية , هدفاً أساسياً لكل تنظيم سياسي , سواء أكان حزب سياسي أم جماعة سياسية معينة . وبذلك ينشأ الصراع على السلطة , وهناك نوعان من الصراع السياسي يجري التمييز بينهما بدلالة فكرة الشرعية , فالتنافس يكون في النظام السياسي عندما ينعقد الاتفاق بين القوى الاجتماعية على اعتباره شرعياً , ويكون الصراع على النظام السياسي عندما ينقطع الاتفاق بين هذه القوى على شرعيته , وان قوى المعارضة تعمل على الإطاحة به وتسعى لإقامة نظام بديل . وعلى هذا فأن التعاقب على السلطة , كنتيجة من نتائج التنافس والصراع السياسي يتم بأسلوبين , أولاً: الأسلوب غير السلمي الثوري أو الانقلابي , أي أن الصراع السياسي , يبدأ برفض النخب الحاكمة مشاركة القوى السياسية , ومنعها من الدخول في إطار النظام السياسي قانونياً (دستورياً) أو عملياً , وبالمقابل فأن القوى السياسية تنكر صفة الشرعية على النظام السياسي وتعمل على الإطاحة به , وذلك خارج الأطر والمؤسسات والإجراءات الدستورية للنظام أي عن طريق القوة , فأن التعاقب على السلطة هنا بين القوى السياسية سيتحقق بالطريق الثوري أو الانقلابي . ثانياً: الأسلوب السلمي الدستوري أي التنافس السياسي , فهو يعني انتقال السلطة وفقاً للقواعد الدستورية , حيث تأخذ المسألة شكل التداول السلمي للسلطة بين القوى السياسية . وإنّ الشرعية الدستورية هي المصدر الرئيس والأول الذي تنتظم من خلاله عملية تداول السلطة وممارستها . فمنذ تشكيل الدولة العراقية عام 1921 إلى عام 2003 , نشأ الصراع والتنافس السياسي على السلطة , بين القوى السياسية المختلفة , في داخل النظام السياسي الملكي وحتى النظام الجمهوري , إنّ ضعف الشرعية الدستورية لم تؤد فقط إلى طول أو قصر مدة بقاء رؤساء الدول في السلطة , سواء من خلال تعيينهم كرؤساء مدى الحياة , أو من خلال تكرار انتخابهم لمرات غير محددة , وإنما أدى أيضاً إلى عدم تمكن العديد من الرؤساء من البقاء في السلطة ضمن الفترة القانونية , وذلك من خلال قيام التعاقب المضاد على السلطة . فقد مثل أسلوب القوة وحكم الأمر الواقع إحدى الوسائل المهمة لتولي السلطة في العراق , ويتحقق هذا الأسلوب أما من خلال الثورة أو من خلال الانقلاب العسكري , وغيرها من الوسائل غير السلمية , حيث كان لظهور الجيش كقوة داخل المجتمع العراقي , نتيجة لإفساح المجال له بلعب دور سياسي , في إدارة الصراعات السياسية وأن يكون له دور في هذا الصراع , وخصوصاً في العام 1936 وصولاً إلى العام 1958 , وما تلاها وصولاً إلى العام 2003 . والذي عكس بالتالي عدم إفساح المجال للمشاركة السياسية الديمقراطية للشعب . وأيضاً فأن تميز العراق بالتعددية الاجتماعية ذات الطبيعة العرقية والدينية والثقافية , والتي هي إحدى الخصائص التي تدفع إلى تفاقم مشكلة التعاقب على السلطة وتأثيرها في الاستقرار السياسي , والتي فشلت الأنظمة السياسية في العراق من حلها . غير أن ما منيت به الدولة العراقية منذ تشكيلها عام1921 من المصاعب والمشاكل الجسيمة ذات الصبغة السياسية , ومنها مشكلة التعاقب على السلطة وانعكاسها بالتالي على الاستقرار السياسي .
ومنذ احتلال العراق عام 2003 , دخل مرحلة جديدة , تتطلب تأسيس نسق واضح المعايير من الديمقراطية لبناء صيغ جديدة للتعاقب على السلطة , وذلك من خلال الاستناد إلى مبدأ التداول السلمي السلطة , إذ توجد هنالك حقيقة جوهرية تتمثل في ( أن التحول الديمقراطي لن يؤدي إلى ممارسة ديمقراطية سريعة و راسخة ومن ثم الوصول إلى الاستقرار السياسي , إلا إذا أرتبط بوضع أسس وقواعد وآليات ثابتة لتعاقب القوى السياسية العاملة في ساحة العمل السياسي على السلطة السياسية ), وعليه وضع أسس وقواعد وآليات ثابتة ومقبولة في العراق لتعاقب القوى السياسية العاملة في ساحة العمل السياسي , ومن أجل أن يأخذ التحول الديمقراطي مداه ينبغي توفير أسسه المبدئية والمؤسساتية والإجرائية على صعيد بنية السلطة السياسية ومزاولتها وانتقالها من قوة سياسية إلى أخرى . حتى أن مظاهر عدم الاستقرار السياسي في العراق سابقة للتغيير الذي حدث بعد 2003 .إن المفهوم العام والبسيط للتعاقب على السلطة , هو:(( انتقال المنصب السياسي إلى شخص آخر سواء كان شاغل المنصب رئيسا للجمهورية أو للوزراء في النظم الرئاسية والبرلمانية )), وهي عملية تختلف طبقاً لنوع النظام السياسي والأساليب الدستورية المتبعة , فإذا تمت عملية الانتقال طبقاً لما هو متعارف عليه دستورياً فإن ذلك يعد مؤشراً حقيقياً لظاهرة الاستقرار السياسي ويعد تداول سلمي للسلطة , أما إذا تم عن طريق الانقلابات والتدخلات العسكرية فهذا يعد مؤشر على عدم الاستقرار السياسي .إن التداول السلمي للسلطة هو مبدأ ديمقراطي , لا يمكن وفقه , أن يبقى حزب سياسي في السلطة إلى ما لا نهاية , ويجب أن يعوض بأحزاب سياسية أخرى , جاء بها الاقتراع العام إلى السلطة , وان تتخلى القوى السابقة عن السلطة لكي تدخل في المعارضة ربما إلى حين . ولاشك أن مبدأ التداول السلمي للسلطة , يُعَد أحد أهم مقومات الاستقرار السياسي . أما مفهوم عدم الاستقرار السياسي والذي يعني فيما يعنيه : ((حالة من التغير السريع والغير منضبط في النظام السياسي , ويتسم بتزايد العنف السياسي , وبتناقض الشرعية وتدني في قدرات النظام السياسي )) . وبهذا فأن الاستقرار السياسي لا يمكن توفره باستخدام القوة والعنف والذي يقمع معارضي النظام , وبهذا لابد من توفر الشرعية للنظام السياسي ,فأن توفر الشرعية الدستورية للنظام السياسي يعد ركن من أركان الاستقرار السياسي .
تعاني الدولة العراقية منذ نشوئها وحتى يومنا هذا من مشكلة في التعاقب على السلطة , وكان لذلك دور كبير في عدم الاستقرار السياسي وكذلك في ضعف بنية الدولة العراقية ، حيث ساهم كل ذلك في إعاقة انجاز مشروع بناء دولة حديثة قائمة على المبادئ الديمقراطية والأسس الدستورية هذا بالإضافة إلى الخسائر المادية والمعنوية التي تكبدها سكان هذه الدولة الحديثة بفعل طريقة نشوء وتطور هذه الدولة ، وأساليب الحكم فيها ، وطريقة التعامل مع مشاكلها المتعلقة ببناء الدولة والأمة والاندماج الوطني . وحينما نقر بوجود مشكلة في التعاقب على السلطة في العراق، يكون ذلك الإقرار محكوماً بمحاولة تشخيص أبعاد هذه المشكلة وفقاً للأفكار السياسية السائدة في العراق ونظمه السياسية منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى ألآن، ومن ثم السعي لوضع الأسس وتحديد السبل الناجعة التي تمكن من إيجاد صيغة حقيقية للتعاقب على السلطة ، وتتحقق من خلالها دولة (المواطنة- المدنية) ونظام حكم يكون أساس وجوده خدمة الشعب وذلك من خلال نظريات وأفكار سياسية ومبادئ تجسد مبدأ التداول السلمي للسلطة الحقيقي المؤطرة بأسس دستورية ومبادئ ديمقراطية من أجل ضمان مشاركة جميع القوى والأحزاب السياسية في السلطة ومن ثم تحقيق الاستقرار المنشود .من دون أن ننحاز لأي اتجاه منهم ، بدافع عاطفي أو عقائدي وتشبثاً بمبدأ الموضوعية وتحقيقاً للنهج الأكاديمي والبحث العلمي ، فإننا نعتقد أن التعاقب على السلطة في العراق ومن ثم انعكاس ذلك على الاستقرار السياسي مازالت مشكلة ، رغم وجود تباين ما بين مرحلة وأخرى . وخضوع المشكلة للرؤى المتباينة للنظم السياسية التي عرفها العراق بكل أطيافه وتنوعه المجتمعي . الأمر الذي دفع بعض الباحثين إلى توصيف المجتمع العراقي بأنه مجتمع متخلف ، يتسم بالعنف والقسوة ، أو انه مجتمع متنوع ومفكك ومتنابذ وغير منسجم في بنيته الاجتماعية ، وان هذا التنوع الغير منسجم هو سبب عدم الاستقرار السياسي الذي يشهده تأريخ ارض الرافدين .من هنا يسعى البحث ( لتشخيص واقع مشكلة التعاقب غير السلمي على السلطة في العراق والإشكالية التي اعترضت حلها منذ تأسيس الدولة العراقية عام (1921)م وحتى اللحظة الراهنة من خلال تسليط الضوء على العوامل والظروف البيئية التي أحاطت بعملية البناء تلك والتي تحكمت إلى حد كبير في صيرورتها ) . أن هذه الدراسة لا تدعي المثالية ولا الكمال، بل ستزداد غنى وثراء بملاحظات الأساتذة الأفاضل من خلال أرائهم السديدة وبالشكل الذي يغني حركة البحث العلمي أولاً، ويعزز من ثقافة بناء الديمقراطية من خلال ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة , وتحقيق الاستقرار السياسي المنشود في العراق .