مستقبل أبعاد الدور الإيراني على العلاقات _ الأمريكية العراقية بعد عام 2003

number: 
1645
عربية
Degree: 
Author: 
زهــراء عبد الجليل مسيّب الضيائي
Supervisor: 
أ.م.د. قحطان كاظم الخفاجي
year: 
2013

بعد الثورة الإيرانية عام 1979 اتسمت العلاقات العراقية ـ الإيرانية بالشدِّ والجذب نتيجة لاختلال الرؤى والمواقف ومحاولة إيران تنفيذ أهدافها القائمة على مبدأ (تصدير الثورة) الذي أعلنه قائد الثورة الإسلامية ( الخميني ) حيث كان البعد العقائدي أساساً لها . ولأنَّ الجانب العقائدي كان المتغير الأساس في طبيعة إدراكهما المتبادل وسلوكهما ، فتراوحت مستويات العلاقة بين مدٍّ وجزر وحربٍ استمرت ثمان سنوات (1980-1988) . إذ يحظى العراق بأهمية جيوستراتيجية في المدرك الإيراني ، وهذا بالتأكيد سببه المقومات المهمة الضرورية التي يمتلكها ، فالموارد الاقتصادية والبشرية فضلاً عن القرب الجغرافي ، إضافة إلى ذلك يعتبر العراق دولة أساسية في تقرير التوازنات الإقليمية القائمة في المنطقة ، ولأنَّ العراق هو العمق الإستراتيجي لإيران ، أذكى الأخيرة لإيجاد تخطيط لإستراتيجيات متعددة وإنقاذها جميعاً بالتوازي والتزامن وفق نمط من التفاعل والارتباط بينهما. أما بالنسبة لأهمية العراق في المدرك الإستراتيجي الأمريكي ، يعتبر العراق منطقة إستراتيجية مفصلية مهمة تربط ما بين دول الخليج العربي وتركيا ، فضلاً على أنه يعتبر الفناء الخلفي لإيران وسوريا وهي من الدول التي تسعى إلى احتوائها ، أضف إلى ذلك الموارد الاقتصادية التي يمتلكها ، فالاحتلال الأمريكي مرتبط بديمومة المصالح الأمريكية والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط . ورغم حالة الاختلاف العقائدية إذ اعتمدت إيران مبدأ ولاية الفقيه وسلكت مبدأ تصدير الثورة الإسلامية ، وإن الموقف السياسي العراقي تقاطع مع هذين المبدأين واعتناقه للفكرة القومية وحرصه على البُعد العربي ورغم الحرب بينهما ، إلاّ أن خطابهما السياسي كان متوافقاً حيال الولايات المتحدة الأمريكية ، إذ عدّت عدواً لكل منهما رغم اختلاف وضعهما وتباين الأُسس الفكرية والثوابت السياسية لمواقفهما ، فإيران الخميني اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية الشيطان الأكبر ، وإن التوافق معها هو من محرّمات عقيدتهم ، في حين كان العراق ينظر إليها كطرف دولي معادٍ له ومتقاطع طالما دلَّ سلوكهما العملي على ذلك . وبين هذه التصورات العراق وإيران يتهمان بعضهما البعض بالتوافق غير المعلن مع الإدارة الأمريكية ، وراحَ كل طرف يعد ذلك حجة لمزيد من الاختلاف وحجة لكسب تأييد شعبهما أو كسب الأطراف الإقليمية.
وبعد أحداث الكويت عام 1990 وحرب الخليج الثانية ، أظهرت إيران موقفاً خاصاً من القتال الأمريكي ـ العراقي ، وحاولت الظهور بموقف سياسي قوامه الحرص على عدم انتشار حالة السلام في المنطقة ، محذرة بالوقت ذاته مع أهداف أمريكية في المنطقة ، غير الأهداف المعلنة لإخراج العراق من الكويت . واستمر الموقف الإيراني ذاته خلال تسعينيات القرن الماضي مستثمرة حيادها بما يخدم موقفها الإقليمي ، ومحايدة للولايات المتحدة الأمريكية بما لا يفسح المجال لها باتخاذ موقف معادي لإيران . فالاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، وهذا يعني وجود قوات أمريكية على حدودها البرية بصورة مباشرة ومؤثرة . وهو يعني أيضاً تعزيز القوات الأمريكية في الخليج العربي الذي كان سبباً لاختلاف وجهات النظر مع أطراف الخليج العربي ، وهذا يعني أيضاً دخول المنطقة في دوامة العنف تأكدت لاحقاً في العراق وانتشرت في المنطقة .
وبالمقابل فإن الاحتلال الأمريكي وما تمخض عنه من عملية سياسية عراقية أطرافها الفاعلة متوافقين فكرياً وسياسياً مع إيران ، هذا يعني وجود حكومة صديقة أو ربما مؤيدة وزوال حكومة معادية ، الأمر الذي يمنحها هامشاً أوسع في العراق . وعلى الرغم من مساعدة بعض القوى الإقليمية للاحتلال الأمريكي للعراق ، وما تبعه من تغيرات سياسية ، إلاّ أن القوى الإقليمية لم تتمكن من الإفادة من التغيير الحاصل وتحقيق موطئ قدم في العراق نتيجةً لعدم قبولها بالديمقراطية وهاجس التخوف من أن يطالها مشروع التغيير والديمقراطية ، فبدأت بإرسال الإرهابيين وتمويل القاعدة لإفشال العملية السياسية في العراق ، هذا وفّر فرصة سانحة لإيران بتثبيت وجودها في العراق من خلال دعمها للعملية السياسية ( الديمقراطية ) ومساندة بعض القوى السياسية ، فاتسمت العلاقات العراقية ـ الإيرانية بالاستقرار بعد عام 2003، حيث استندت إلى مبادئ حسن الجوار واحترام السيادة إضافة إلى مراعاة كل المصالح المشتركة بين الدولتين ، كما أن استقرار العلاقات بين العراق وإيران أسهم في تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والسياسية والذي بالنتيجة أثر سلباً على العلاقات الأمريكية ـ العراقية . وبذلك أصبح من الممكن القول أن العلاقات العراقية الإيرانية الأمريكية بدأت تمر بمراحل جديدة من مراحل تطور تاريخها المعاصر لم تنتهِ آثارها ومتغيراتها بعد ، وهذه المرحلة لا بُدَّ أن تعمل على تغيير السياقات الحاكمة لهذه العلاقات نحو مغاير عمل كانت عليه سائدة من قبل لتتواءم مع المتغيرات الدولية الجديدة الحاصلة في المنطقة .