الإصــــلاح السياســـي والتحـــول الديمقراطي في الدول العربية (العراق أنموذجاً)

number: 
1480
عربية
Degree: 
Author: 
نور فاضل شاهر
Supervisor: 
الاستاذ المساعد الدكتور زيد عدنان محسن
year: 
2012

يتناول البحث من زواياه العديدة إشكالية عملية الإصلاح : إبتداءً من تشخيص كل الحالات ومختلف المتغيرات، وسبل وطرق الإصلاح، ثم تحدياته والافتراضات الممكنة للتطور. وإن النماذج القديمة التي كنا نلجأ إليها لتعريف ووصف الواقع العربي قد استنفذت كوضع الجمهوريات في مقابل الملكيات ، إمارات جمهورية أو جمهوريات متوارثة أو أنظمة تقدمية وأنظمة رجعية أو معتدلة وثورية مدنية وعسكرية، أو أيضا ليبرالية واشتراكية ففي الوقت الراهن أصبحت مواصفات ترتيب الوقائع العربية تخضع أولاً للصلة بالديمقراطية أو الدمقرطة، بمدى الاقتراب أو الابتعاد عن هذا الشكل السياسي ومدى التناسق أو التناقض معه، وبصورة عامة تمر دول العالم بتحولات سياسية، فمنذ أكثر من عقدين من الزمن وبعد إنهيار المنظومة الاشتراكية وسقوط الخيار الأيديولوجي الشمولي المتمثل بدولة الاتحاد السوفيتي السابق والمنظومة الاشتراكية في دول أوربا الشرقية التي أخذت تتبنى نهجاً جديداً قائماً على التحرر السياسي، وتبنت النظام الديمقراطي في كل المستويات والانفتاح الاقتصادي والسير في الطريق الليبرالي تعددي حققت بعض الدول خطوات مهمة جداً في هذا المجال، وبعدما أنجزت دول أوربا الشرقية هذه الخطوة اتجهت الأنظار إلى الدول العربية , لكونها هي الأخرى معنية بهذا الأمر, إذ تتبنى كثير من الدول العربية نهج الدولة المركزية السلطوي في السياسة والاقتصاد وتعاني من انسداد الأفق السياسي للنخب السياسية العربية الحاكمة، إن كثيراً من الأنظمة العربية الحاكمة شرعت في عملية مراجعة الكثير من مرتكزاتها السياسية والاقتصادية لا إيماناً بهذا النهج بل لكي تسبق العاصفة وتحافظ على مواقعها وتؤمنها للأجيال القادمة التي تتحالف معها لكي تستمر في الحفاظ على مواقعها في السلطة .إن هنالك مفارقة كبيرة في عملية التنمية السياسية والإصلاح التي تجري في العالم العربي ويرى الأستاذ (برهان غليون) أن : (في بلدان العالم العربي تجري آلية غريبة في عملية التغيير السياسي والاقتصادي والنقطة الفصل بين التغيير الاقتصادي والتغيير السياسي أو بمعنى آخر استبعاد السياسة من ميدان الإصلاح السياسي الواسع والسعي ما أمكن إلى الاحتفاظ بآليات نموذج الدولة البيروقراطية السلطوية على طريقة النهج الشمولي أو الطريقة الأبوية الإقطاعية). وإن عملية التنمية والإصلاح في أي نظام للدولة يتطلب عملية مراجعة تامة لكل المجالات السياسية والاقتصادية وتحديد مواطن الخلل لكي يتم وضع العلاج لهذا الخلل، أن من الواضح في الدول العربية أجراء آلية الإصلاح السياسي بشكل انتقائي، فالمعروف أن عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي عبر كل التجارب في دول العالم تجري بشكل متواز ومتفاعل لان كلاً منها مرتبط بالآخر ولا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وأي فصل بينهما تأتي النتائج سلبية ويصبح الإصلاح السياسي شكلياً .
إن الذي يعوق عملية الإصلاح السياسي في العالم العربي هو انعدام وجود تنمية سياسية حقيقية فاعلة التي تتيح التفاعل للجميع والتي تشجع على أحياء المبادرة ويشعر المواطن بجدوى عملية المراجعة وفاعلية الإصلاح السياسي فصحيح أن النخب العربية الحاكمة تعلن عن وجود خطط للإصلاح السياسي لكنه إصلاح في أروقة الحكومة وداخل مكاتبها البيروقراطية وهو إصلاح جزئي لا يقصد به سوى تلميع وجه الحكومة أو السلطة وهكذا يفقد الإصلاح جدواه ومضمونه لأنه لإنجاح أي آلية للتنمية والإصلاح السياسي يجب أن تجري آلية الإصلاح في جو من الجدية والشفافية وبوساطة جهاز يتمتع بالنزاهة بينما على ارض الواقع تجري الأمور على شكل مختلف، فالنخب التي تجذرت في السلطة بشكل فج واحتكرت السلطة عقدين أو ثلاثة أو أربعة، وأنتجت متوالية عددية من الزبائنية المرتبطين مع الأنظمة، التي احتكرت كل الأنظمة الاقتصادية وولدت هي الأخرى أذناباً لها، فضلاً عن ذلك الشريحة العسكرية التي تهيمن على كل مفاصل الدولة وتعوق أي تحول مدني لأن كل الإصلاحات يجب أن تجري في ظل أنظمة مدنية منفتحة على كل شرائح ومستويات المجتمع فلا إصلاح سياسي بلا حراك اجتماعي. والحراك الاجتماعي لا يكون فاعلاً ألا في ظل أنظمة مدنية تتمتع بالديمقراطية الحقيقية وتعمل بنظام أو آلية ديمقراطية محكمة بشكل كبير أو عال جداً بحيث لا تخرج النتائج عن المسارات المحددة من قبلهم، وتضمن للمجتمع تطوراً نوعياً وقيمياً وتسير بأنساق المجتمع بشكل متساوي الفرص إلى أمام، ولهذا يعاني الدول العربية من ميكانزيم مسدود الأفق والأصل فيه للنجاح لان طريقة الحوار والمشاركة الاجتماعية والشعبية هي الأخرى تسير بشكل انتقائي وليس مكفولاً، وحتى تكون هناك جدوى للتنمية والإصلاح يجب أن يلمس المجتمع ثمرة هذا الإصلاح .فإن الإصلاح السياسي يحتاج إلى إرادة والى عمل يرافق هذه الإرادة وأن تكون هناك توجهات تجري في جو وفضاء المجتمع المدني والاستقلال بالنسبة إلى الجهات المنوط بها أجراء تنمية وتحديث وإصلاح بشكل علمي وعملي جدي، وليس بشكل عاطفي رغبوي يطور هنا ويستثني هناك، وإلا ستكون العملية مبتورة ولا يكون هناك أي نتائج مرجوة من هذا الإصلاح . فمن تجربة الإصلاح السياسي في العالم الأوربي، نجد هناك تلازماً وتفاعلاً بين عالم السياسة وعالم الاقتصاد والأنساق الثقافية في التركيبة السياسية التي شاخت مع عملية تغير وتغيير حتى لرجالات السلطة وإحلال أشخاص محلهم، وهذا أمر مهم جدا لأنه لكي يقتنع المجتمع بجدوى الإصلاح يجب استبعاد الأشخاص المسؤولين عن آثار التردي والفساد وهي ظاهرة مستشرية في الدول العربية ومحاسبتهم قانونياً وحلول أشخاص ذوي خبرات جديدة حديثة يتولون عملية رسم آفاق جديدة لإصلاح ما فسد أو ما أفسده غيرهم وهكذا تستمر الحياة ويتابع البلد والمجتمع مسيرته نحو الأفضل، أن معالم الوضع الاجتماعي العربي وبناه وهيكلته تبعث على التشاؤم، فالتشرذم الاجتماعي، وسيطرة العصبيات التي تحالفت مع السلطات والنخب الحاكمة ، وولادة مافيات اقتصادية وتجارية ولدت هي الأخرى أوضاعاً اقتصادية واجتماعية عسيرة على التنمية والإصلاح والتغيير، لأن هذه العائلات ذات المنشأ الإقطاعي كان يفترض بها أن تكون برجوازيات وطنية فاعلة على الصعيد السياسي والاقتصادي وتكون عامل تطور وتدشن لحياة عصرية مدنية تقود التحولات الاقتصادية والسياسية لكونه عامل توازن في المجتمع وتبشر بقيم مدنية بينما هي على أرض الواقع برجوازية طفيلية تحالفت مع الأنظمة السياسية الحاكمة، وهي ذيليه وهمها فقط تعزيز ثرواتها الشخصية ومواقعها لدى السلطات وهكذا نرى تعثر خطوات التنمية والإصلاح السياسي والاقتصادي لأنه أصلا ولد ميتاً ولا أثر للحياة فيه لأن الإصلاح السياسي مثلما يتطلب وجود حياة ديمقراطية وبرلمانية وتيارات سياسية ولها برامج يتطلب الإصلاح الاقتصادي أيضاً وجود نقابات واتحادات تشرف على تطبيق نتائج البرامج والخطط التي أقرت آليات عمل للسير في عملية الإصلاح والتنمية مع متغيرات العصر.إن الإصلاح السياسي في الدول العربية هي عملية ضرورية جداً وذلك ليس لمجرد رغبة بل هي ضرورة لان الأنماط والإشكال السياسية الحالية السائدة في الدول العربية لم تعد تناسب المرحلة المعاصرة، وقد انتفت الحاجة لها ولأن السبب الذي كان يضمن للنخب السياسية العربية الحاكمة الاستمرار في السلطة، مثل أن تحتكر السلطة الحكم أو عقدين أو ثلاثة أو أربعة، لم يعد مقبولاً في مرحلة العولمة وبعد انهيار المنظومة الاشتراكية والحكومات الشمولية وانتهاء الحرب الباردة ولان العالم بشكل اجمع يمر بمرحلة انتقالية جديدة على مستوى النظام الدولي، أن التغيير السياسي والاقتصادي هو كالسيل الجارف سيجرف معه كل أشكال السلطات والتشكيلات التي لا تتلائم مع معالم الحياة الجديدة .