من غير المتصور ولا المعقول في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين, أن ترى دولة تمتلك أرثاً غائراً في التاريخ, وإمكانيات تفوق التصور, أن تستجدي رؤى ومواقف لحصانة وجودها, بل وصيانة أمنها من الأخر. فالعراق منذ عام 2003 ولحد هذه اللحظة لم يعثر بكل مؤسساته على مقتربات بناء إستراتيجية تعين قادته وأبنائه على الاقتراب من حافة التفكير بالذات الوطنية التي يمكن اعتمادها كناموس قياس للمصالح والأهداف معاً.في كل ما تعرض له الأمن الوطني العراقي من استباحة من الداخل والخارج, ومع كل ما تم فعله بهذا الاتجاه, إلا أنَّ الحصيلة لم تزل غير مقنعة, ليس لان الإرهاب مازال حاضراً, والإقليم مازال متخم بالمتغيرات الهائلة التي تنعكس بآثارها سلباً للعراق, حتى أصبح الأخير ساحة قياس لتأثيراتها بل وساحة بناء لتداعياتها المختلفة, بل لأن أبنائه مازالوا دون عتبه بناء إستراتيجية حقيقية له, بل ودون عتبة العثور عن نموذج لإدارة ملفاته المتعددة.وبالرغم من كل الجهود المبذولة بأتجاه تنمية الرؤى المحققة لصيانة الأمن الوطني العراقي منذ عام 2003 ولحد الآن, إلا أنَّ الارتقاء بمستوى الأداء الاستراتيجي لم يزل دون حافة المبادلة بين الفعل والمتغير الفعال في الساحة, حتى إذا ما انتبه العراقيون لحالهم وجدوا أن جهودهم على مدار السنين الماضية قد ذهبت سدى, وأنهم مازالوا عند نقطة الشروع لا حراك ولا فاعلية, رغم كل المؤسسات التي أنشئوها والأموال التي أنفقوها. فمعطيات الأمن الوطني العراقي لم تزل تتأثر بكل متغير, دون قدرة على التأثر. وهذا هو سر الاستباحة له.ودراستنا هذه ستأخذ الخلاصة والنتيجة أعلاه, محمل الجد وتبرهن بالعلم والعمل.أنَّ الأمن الوطني العراقي, لابد له من إستراتيجية فاعلة تنتظم فيه القدرات بحاضنة عقيدية واضحة, وان تنشط ذاكرة القائمين عليه بما يكفل لهم القدرة والإمكانية على استثمار مقوماته على أكمل وجه, حتى يغادر الأمن الوطني العراقي من حافة التأثر إلى حافة التأثير, وتلك مرحلة متداخلة الفعل, والزمن معاُ, مرحلة تحتاج من العراقيين رؤية ذاتهم وقد استوت مع وجودهم. فحماية الذات يستدعي أولاً الاقتراب من حماية الوجود.فيا ترى كيف يقترب العراقيون من نقطة الشروع لبناء إستراتيجية وطنية لأمنهم؟ وهل هم مؤهلون لذلك؟ وما هو المدى الزمني اللازم لذلك البناء؟ أسئلة وغيرها تشكل بتوتراتها إشكالية الدراسة التي احتاج فك طلاسمها منا الوقت الكبير حتى وجدنا أن الخيار لم يزل مطروحاً حيث الانطلاق من جديد لا ترميم ما هو كائن !!!.