مما لا شك فيه أن إسرائيل ولدت من رحم الاستعمار , وهذا قد جعلها تحظى بالدعم والمساندة من قبل الدول المستعمرة , لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية التي أدركت منذ بروزها كقطب قائد ومهيمن ومسيطر في المجتمع الدولي أهمية إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط , باعتبار أن المنطقة ذات أهمية قصوى في التنافس الدولي , وهذا ما دفعها إلى مباركة قيام إسرائيل منذ الوهلة الأولى ووضعت كل إمكاناتها في خدمتها , ورجحت كفتها في الصراع العربي – الإسرائيلي , ولعل هذا جاء منسجماً مع ما عبرت إسرائيل عنه على أنها قوة إقليمية لا يستهان بها في منطقة الشرق الأوسط وقادرة على خدمة المصالح الأمريكية لاسيما في ظل الصراع الدائر بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي أبان الحرب الباردة , وهذا ما حذا بالولايات المتحدة الأمريكية أن تصل مع إسرائيل إلى مرحلة التحالف معها , وجعلها تعتلي مكانة متميزة في الإستراتيجية الأمريكية , وما زاد من حدة الإدراك الأمريكي للقوة التي تمتلكها إسرائيل هي حرب عام 1967 التي حققت فيها إسرائيل انتصاراً غير مسبوق على الدول العربية مجتمعةً , مما ألقى بضلاله على الترجيح الأمريكي لكفة إسرائيل على كفة الدول العربية , واعتبرتها جزءاً من الأمن القومي الأمريكي , وهذا ما ظهر بصورة جلية في الانحياز الأمريكي لصالح إسرائيل أبان حرب عام 1973 .إلا أن المتغيرات الدولية التي عصفت بالمجتمع الدولي عموماً وفي منطقة الشرق الأوسط خصوصاً قد جعلت من مكانة إسرائيل عرضة للتراجع وما يوحي على ذلك هو انتهاء الصراع الدائر بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي بتفكك الأخير مما أدى إلى فقدان إسرائيل الدور المناط بهآ في صد النفوذ السوفيتي في منطقة الشرق الأوسط , وما زاد من ترجيح كفة هذا الرأي هو انهيار أحد كفتي الميزان في الصراع العربي – الإسرائيلي المتمثل في قوة العراق , من خلال القضاء على قوته العسكرية في حرب الخليج الثانية عام 1991 من قبل الولايات المتحدة الأمريكية , فضلاً عن أن الولايات المتحدة الأمريكية حملت نفسها على التواجد في الخليج العربي وحماية مصالحها الشرق أوسطية بنفسها . إن هذه المتغيرات ولدت حالة من التشظي والتفكك في الموقف العربي حيال إسرائيل ودفع البعض من البلدان العربية إلى عقد معاهدات مع إسرائيل بهدف خلق حالة من السلام المزعوم في المنطقة .إن تعرض مكانة إسرائيل إلى حالة من الجمود في الإستراتيجية الأمريكية بعد نهاية الحرب الباردة لم تستمر طويلاً , بل أن أحداث 11 أيلول عام 2001 التي عصفت بالولايات المتحدة الأمريكية أعادت رسم المكانة الإسرائيلية في الإستراتيجية الأمريكية لاسيما وأن إسرائيل تمتلك من المقومات ما تؤهلها إلى إن تجعل من نفسها الحامي والراعي للمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط , وما زاد من الدفع بهذا الاتجاه هو توغل الصهيونية داخل جسد الإدارة الأمريكية , الذي يدفع باتجاه تحقيق المصالح الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط , فضلاً عن المقومات الأخرى التي تمتلكها إسرائيل التي جعلت منها قاعدة متقدمة للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة تنطلق منها في تنفيذ إستراتيجيتها باتجاه المنطقة وعموم المناطق القريبة منها , مما يعني أن هجمات 11 أيلول عام 2001 حملت مكانة إسرائيل إلى أجواء متميزة في الإستراتيجية الأمريكية .ان حالة التطابق في الرؤى والأهداف ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل جعلت منهما يسيران في اتجاه واحد لاسيما في ظل أحداث التغيير العربي التي عصف ببعض البلدان العربية في مطلع عام 2011 , وهذا بحد ذاته وفر الأجواء المناسبة لإسرائيل لرفع مكانتها في الإستراتيجية الأمريكية , باعتبار إن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعطي أية أهمية للدول العربية , ولم تعطهم أي دور ضمن مخططاتها لاسيما في منطقة الشرق الأوسط لعدم تمتعهم بخاصية الاستقرار التي تتصف بها إسرائيل , وكذلك عدم قدرتهم على أن يصبحوا أدوات للإستراتيجية الأمريكية كما هو الحال مع إسرائيل . ولم تأل واشنطن جهداً كبيراً من اجل أن تكون إسرائيل القوة الإقليمية المهيمنة في المنطقة , وانطلاقاً من هذا فضلت الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل على الكثير من دول الشرق الأوسط , وهذا بحد ذاته شجع إسرائيل على الاستمرار في استخدام عناصر القوة اتجاه خصومها . إن في دراستنا هذه لم يكن التركيز على الإستراتيجية الأمريكية حيال الشرق الأوسط فحسب , وإنما جل تركيزنا هو على دراسة مكانة إسرائيل في الإستراتيجية الأمريكية والعوامل المؤثرة فيها . وعليه فقد خصصنا الفصل الأول من أجل التعرف على هذه الإستراتيجية وتبيان التوظيف الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط في الإستراتيجية الأمريكية , فضلاً عن تبيان أهم الأهداف والوسائل الأساسية التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تنفيذ إستراتيجيتها , ومدى التغييرات التي أصابتها على مدى السنين المنصرمة بعد أحداث 11 أيلول عام 2001 وحتى الوقت الحاضر . وبقدر ما يتعلق الأمر بالإستراتيجية فأن هنالك العديد من التعريفات للإستراتيجية الأمريكية , وبقدر ما يتعلق الأمر بدراستنا , وخدمةً لتناول موضوع المكانة الإسرائيلية في الإستراتيجية الأمريكية بعد عام 2001 , وجدنا أن تعريف بوفر للإستراتيجية هو أقرب التعاريف إلى دراستنا حيث يعرفها بالقول : "أن الإستراتيجية هي تخصيص الموارد لخدمة تحقيق الأهداف" .