الدرع الصاروخي وميزان القوى الإستراتيجي

number: 
1688
عربية
Degree: 
Author: 
عباس جبار حاتم المحمداوي
Supervisor: 
الأستاذ المساعد الدكتور قاسم محمد عبد الدليمي
year: 
2013

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وطوال حقبة الحرب الباردة، أنشغل الفكر الاستراتيجي العسكري للولايات المتحدة الأمريكية، وفي ظل حالة المنافسة والصراع مع الاتحاد السوفيتي السابق، ببناء وتصميم عقيدة عسكريه تقوم على القوه الصناعية الهائلة والتطور التقني في ميدان تكنولوجيا الصناعات العسكرية وذلك لضمان تفوق عسكري، نوعي وكمي، وبشقيه الاستراتيجي والتكتيكي . إنَّ حقائق العصر النووي، والمتمثلة بظهور الأسلحة النووية، قادت إلى تبني استراتيجيات عديدة, وبما يتلاءم مع معطيات حيازة القوتين العظمتين لهذا النوع من الأسلحة . هذا النمط من التفكير الاستراتيجي العسكري للولايات المتحدة الأمريكية، والذي قامت على ضوءه العقيدة العسكرية الأمريكية أبان الحرب الباردة، والمتأثر بالكم الهائل لترسانة الأسلحة النووية التي في حيازة القوتين العظمتين وما تتمتع به هذه الأسلحة من خصائص تقنيه متطورة، وما قادت إليه من استراتيجيات رادعه، قد طرأ عليه تعديلات، وبما يتلاءم مع الأهداف والمصالح الكونية للولايات المتحدة الأمريكية . فقد مثل انتهاء الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق، نصراً للولايات المتحدة الأمريكية من وجهة نظرها، وكان على الولايات المتحدة الأمريكية أن تعمل على استثمار هذا التغيير الحاصل في بنية النظام الدولي، وأصبح لزاماً على مجلس الأمن القومي الأمريكي وفي ظل الواقع الدولي الجديد والمتمثل بتفكك الاتحاد السوفيتي السابق وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم، أن تنجز وظيفة مركبه قوامها، حماية المصالح الحيوية الأمريكية في بيئة دوليه متغيره تفرض تحديات من نوع جديد، وإقامة نظام دولي يؤازر الهيمنة الأمريكية ويعمل على ضمان استمراريتها . وفي الواقع، أن الهدف الأساس للولايات المتحدة الأمريكية منذ انتهاء الحرب الباردة، وانفرادها بقيادة العالم الرأسمالي الغربي كأكبر قوه اقتصادية وعسكرية, هو توطيد موقعها على قمة الهرم الدولي بوصفها القوة العظمى الوحيدة في العالم, هذا الهدف بقي شاخصاً في المدركات الأمنية والعسكرية لمخططي وصانعي السياسة الأمريكية في حقبة ما بعد الحرب الباردة . أن سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض هيمنتها على العالم، والانفراد بالنظام الدولي، قد حتم عليها أتباع استراتيجيه عالميه، أساسها بناء قوة عسكرية لايضاهيها منافس، وإنَّ لا تتوانى الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام القوه العسكرية لردع القوى المنافسة والمهددة لمصالحها الحيوية, إذ ان السمة المميزة لمنهج التفكير الاستراتيجي الأمريكي تجمع بين التهديد باستخدام القوه العسكرية أو استخدامها فعلاً، أذا تعرضت مصالحها إلى الخطر . ثم جاءت أحداث (11/أيلول/2001)، لتشكل نقطة تحول جذريه في ممارسات الإستراتيجية العسكرية الأمريكية وعقائدها, وفتحت الباب أمام مفاهيم جديدة تتضاءل أمامها تلك التي شغلت اهتمام العالم منذ أن ودع عقود الحرب الباردة وودع معها أحد قطبيها لينفرد القطب الأخر بقيادة العالم . إنَّ الآليات الحاكمة للإستراتيجية الأمريكية أبان الحرب الباردة, لاسيما ما يتعلق منها بالردع والاحتواء, لم تعد تنفع، وذلك لأن مصدر التهديدات أصبح لا يتمثل في دول بعينها، وإنما في جماعات إرهابية غير محدده، بمعنى أن العدو غير واضح . إنَّ إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أعلنت بعد أحداث (11/أيلول/2001)، كانت تعبيراً عن هذه التطورات والمتغيرات، مما حتم على الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم بأداء دور مباشر ولا يخضع لأي قيد في التصدي لمثل هذه التهديدات، ومرد هذه القناعة كون الولايات المتحدة الأمريكية تجد نفسها القوه الدولية الوحيدة القادرة على القيام بمثل هذا الدور, بفضل تفوقها العسكري الهائل وذلك بما يخدم أهدافها ومصالحها الكونية المختلفة ,وفي مقدمتها أن يكون القرن الحالي قرناً أمريكياً بامتياز . وعليه عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تطوير إستراتيجيتها العسكرية, وافترضت دائماً هجوماً نووياً شاملاً، على وفق سياسات التسلح النووي بينها وبين الاتحاد السوفيتي السابق. وبناءً على ذلك ولتنفيذ ركن أساس من أركان الإستراتيجية الأمريكية, عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تطوير نظم صاروخيه مضادة للصواريخ، وذلك لحماية الأراضي الأمريكية وحلفائها, ولتأمين قدراتها على الدفع بعناصر القوه إلى كل مكان من العالم .ويعد نظام الدرع الصاروخي الأمريكي ببساطه إقامة شبكات حماية من أنظمة صواريخ الدفاع الجوي المتطورة متبادلة الإسناد وموثوقة الاتصالات فيما بينها وذات قدره فائقة "نظرياً" على الأقل، على إسقاط أي صاروخ باليستي يستهدف أراضي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأصدقائها. وبالتالي فهو يزود الولايات المتحدة الأمريكية القدرة على تجنب أي طارئ قد يشكله أطلاق مثل هذه الصواريخ من قبل دول تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية فضلاً عن أن بعض هذه الدول المعادية للولايات المتحدة الأمريكية تملك أسلحه نووية . أن نظام الدرع الصاروخي الأمريكي هو جزء من صياغة إستراتيجية أمريكية كي تكون القوه الوحيدة المهيمنة على العالم، وضمان استمرار بقائها في هذا الوضع .وعليه فأن دراسة الدرع الصاروخي الأمريكي تنطلق من كونها دراسة للإستراتيجية الأمريكية في جانبها العسكري _ الأمني، والذي يعد من أولويات الإدراك الأمريكي الذي يرى بأن أمن الولايات المتحدة الأمريكية ينبع عن تفوقها العسكري الاستراتيجي. لذلك يشكل نظام الدرع الصاروخي الأمريكي أحد أهم حلقات إستراتيجية الهيمنة الأمريكية في مرحله باتت تتسم بصعود قوى جديدة كالصين وعودة أخرى مثل روسيا الاتحادية, هذا من جهة, ومن جهة أخرى تراجع القدرات الاقتصادية الأمريكية الذي سيشكل ربما دافعاً قوياً لصانع القرار الأمريكي للمضي قدماً بالمشروع بغية تعويض الموقف الاقتصادي الأمريكي .