السياسة الاقليمية للصين بعد الحرب الباردة

number: 
1716
عربية
Degree: 
Author: 
الاستاذ الدكتور صالح عباس الطائي
Supervisor: 
الاستاذ الدكتور صالح عباس الطائي
year: 
2013

ان السياسة الاقليمية هي جزء من السياسة الخارجية للدولة، والصين احدى الدول التي تسعى من خلال سياستها لتحقيق اهدافها ومصالحها، وهي تاثرت بمرحلة الحرب الباردة وبالنتائج والمتغيرات التي أفرزتها مرحلة انتهاءها مما احدثت تحولا في العلاقات الدولية والاقليمية تختلف عما كانت عليه اثناء الحرب الباردة من حيث علاقات القوة والمصالح الاستراتيجية , خاصة بين القوى الكبرى في العالم, مما انعكس على السياسة الخارجية الصينية التي قامت على اساس مواجهة التدخل الامريكي في شؤونها الاقليمية, ومن ثم سعت الصين الى تحسين وتطوير علاقاتها مع دول الجوار لكي تحقق هدفين هما الاول- هو تحطيم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاءها , واحباط محاولة عزل الصين واحتوائها . والثاني- يتمثل بتهيئة البيئة الاقليمية لتكون بيئة مواتية لتحقيق التنمية في هذه المرحلة من مراحل صعود الصين.انشغلت الصين اثناء الحرب الباردة بمجموعة من التحديات لعل ابرزها عام 1946 عندما سعت الطبقة البرجوازية الصينية لتهريب رؤوس أموالها الى الخارج ، وذلك لعدة أسباب في مقدمتها ارتفاع مستوى العنف والفساد الذي بلغه النظام القومي بقيادة شان تشانغ كاي شيك ، فضلا عن الخوف من انتصار ماوتسي تونغ واستلامه السلطة الا ان تحالف بعض قطاعات البرجوازية واقسام جديدة من جيش حزب الكومينتانغ بأسلحتها وامتعتها مع ماوتسي تونغ (1949-1952) ادى الى نجاح ماو في السيطرة على النظام وكان هدف النظام الصيني من ذلك هو تعزيز تحالفه مع القطاع الخاص بأسم مصلحة الامة الصينية. وهكذا كان الصراع في الصين يدور حول ثقافتين هما الثقافة الجديدة للبرجوازية والثقافة القديمة للطبقة الاقطاعية، كما ان ثقافة الديمقراطية الجديدة هي ثقافة الجماهير الشعبية المناهضة للامبريالية والاقطاعية.ومنذ منتصف عام1966 بدأ الزعيم الصيني ماو حملة شرسة ضد شخصيات عديدة في السلطة كان يريد التخلص منها لانها تحول دونه ودون الاستفراد في الحكم وفي مقدمتهم( ليو شو كي) الذي كان وقتها رئيسا للجمهورية، واتخذت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي سلسلة من القرارات اهمها محاربة الافكار القديمة والثقافة والتقاليد البالية وفي محاولة لانهاء العنف الذي ساد في الصين في نهاية ستينات القرن الماضي ،أمر ماو تسي تونغ بتسريح الحرس الاحمر ، وفي عام 1967 كانت الصين تتجه نحو حرب أهلية شاملة الا ان الطبقة الحاكمة أدركت بان ظهور الطبقة العاملة الصينية كقوة مستقلة في السياسة الصينية هي خطر اعمق من الحرب الاهلية، بعد ذلك كانت ارهاصات الثورة الثقافية لاسيما بعد ان حذر الزعيم الصيني ماو من اختراق الحزب الشيوعي ووعد باجتثاث الطبقة البرجوازية .تم انهاء الثورة الثقافية رسميا في المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي عام 1969 ، الا ان الطبقة الحاكمة وفي اعقاب تلك الثورة واجهت مشكلتين كلاهما مثلا تحديا كبير لاستراتيجية ماو في تطوير الاقتصاد الصيني ، الاولى: كانت مهمة اعادة بناء الحزب واجهزة الدولة، والثانية: حاجة الاقتصاد الى اصلاح لانه تعرض الى الخراب خلال الاعوام السابقة، الا ان الصين ومع حلول سبعينيات القرن الماضي بدات تواجه خطر الحرب مع الاتحاد السوفييتي بعد ان تصاعدت التوترات على الحدود الشمالية للصين.الا أن التحول الكبير الذي حدث خلال فترة حياة ماو هو اخراج الصين من عزلتها وتجلى ذلك من خلال زيارة الرئيس الامريكي السابق نيكسون عام 1972 للصين وكان ذلك تحولا استراتيجيا في العلاقات الامريكية – الصينية، وبذلك باتت الصين رسميا مندمجة في المجتمع الدولي ، وبعد عامين من وفاة ماو تسي تونغ ، وصلت الى الحكم قيادة تمتلك رؤية مختلفة الى رؤية مختلفة عن الرؤية التي كانت تسود في الفترة السابقة، هذا الرؤية عمل بها ورسخها الرئيس الصيني دينج شياو بينج ، لذلك تغيرت الاولويات بالنسبة للقيادة الصينية ليتصدر الاولويات هدف الاصلاح الاقتصادي وتحقيق مستوى من العيش الكريم للمواطن الصيني وصولآ الى رفاهية المواطن، وبذلك مسيرة الصين انتقلت الى مستويات اقتصادية متقدمة قياسأ لما كان عليه الحال قبل عام 1978، وبذلك فأن هذه القيادة تمتلك رؤية جديدة تختلف عن الرؤية الماوية والتي تذهب باتجاه الانفتاح على العالم الخارجي ولا سيما العالم الغربي ، وأحداث اصلاحات اقتصادية تكون كفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي للصين.لذا تعد التجربة الاقتصادية الصينية التي قادها الزعيم الصيني دينج شياو منذ عام 1978 تجربه فريدة من نوعها وهي محط اعجاب العالم لما حققته من نجاحات كبيرة استطاعت ان تنتقل بالمستوى المعيشي الصيني الى مستويات أفضل.لذلك أكتسبت هذه الدراسة اهميتها كونها تدرس السياسة الاقليمية لدولة تعتبر من الدول الصاعدة على المستوى العالمي ، ودولة فاعلة على المستوى الاسيوي، وهي عضو دائم في مجلس الأمن والدولة الاولى من حيث عدد السكان ، كما تمتلك قوة عسكرية لا يستهان بها سواء كانت النووية منها ام التقليدية،ان الصين احدى القوى النووية التي استطاعت ان تمتلك السلاح النووي 1964، وهي تمتلك اليوم ترسانه نووية يبلغ عدد رؤوسها النووية الحربية حوالي(400) راس نووي حسب احصائيات عام 2009، فضلآ عن قدرتها على تطوير وسائل الايصال اللازمة لنقل الؤوس النووية الى اهدافها بسرعة ودقة فائقتين ومن اهم تلك الوسائل الصواريخ العابرة للقارات المتوسطة والقصيرة والبعيدة المدى ، وكذلك الغواصات النووية والقاذفات الاستراتيجية وقد تمكنت من زيادة انفاقها العسكري من 80 مليار دولار في منتصف الثمانينيات الى 89 مليار دولار عام 1997 , ليصل عام 2009 الى 2,4% من الناتج المحلي الاجماعي اي حوالي 129 مليار دولار. وبذلك هي من كبريات الدول التي تقوم ببناء عسكري سريع ومكثف في العالم, وقد سعت الى تطوير قدراتها العسكرية انطلاقا من الدور الاقليمي الذي يقوم به في محيطها, والدور العالمي الذي تحاول ان تؤدية في المستقبل والذي خططته ورسمته لنفسها والقائم على تحقيق اهدافها وطموحاتها .وأدت نهاية الحرب الباردة الى تفكك الاتحاد السوفيتي وانفراد الولايات المتحدة الامريكية بقيادة النظام الدولي، وشهد هذا النظام تحولات هيكلية في قمته تتمثل بمحاولات بعض القوى الاقليمية الصاعدة كـ( الصين) الى أن ترتقي الى مستوى القوى العظمى ، وأخذت هذه القوى تسعى لاحتلال مكانه اقليمية تتكافأ مع طبيعة امكانياتها، وأخذت تؤدي ادوار فاعلة على وفق رؤية اساسها التعددية في مراكز القوى العالمية ، وبما لايفقدها دورها في الترتيب وصياغة هيكلية جديدة للنظام الدولي تقوم على اساس تعددية الاقطاب. لذا سعت الصين نحو بناء نفسها كقوة اقليمية ومن ثم قوة عالمية، فهي وضعت لنفسها أطاراً علمياً لتطبيق وتنفيذ أسس هذة الرؤية أخذة بنظر الاعتبار الفرص والقيود التي يوفرها اقليم الصين الاسيوي لها، لتحقيق التفوق الاقليمي واعتماد القاعدة الاقليمية كنقطة ارتكاز في الوصول الى مرتبة القوى العظمى.
وتاسيسا على ما تقدم فان الصين اثناء الحرب الباردة انشغلت بالمشكلات الداخلية واالتي تمثلت بالعنف والفساد الذي ساد الحياة السياسية بعد الحرب العالمية الثانية، الا ان التحول الكبير الذي حصل عام 1978 وبدات المباشرة بالتحديث في المجالات الاقتصادية و السياسية والعسكرية والعلمية وكان ذلك منطلقاً للصين في التطلع والانفتاح على الخارج وجلب الاستثمارات والشركات الاجنبية للتحرك صوب الفضاء الاقليمي والدولي وبذلك فان حضورها على الصعيد الاقليمي تنامى من خلال التحقها بالمنظمات الاقليمية وتسوية مشكلاتها مع دور الجوار.
ومع ان الصين تتمتع بامكانيات عديدة داعمة منها ماهو اقتصادي وسياسي وعسكري والتي ينتج عنها نمطآ فاعلآ من السياسة الخارجية على الصعيد الاقليمي فضلآ عن الدولي ولكنها تواجه صعوبة تبني رؤية أقليمية يمكن من خلالها تحديد الصيغة التي ستؤول اليها الترتيبات الاقليمية الاسيوية في المستقبل، ان طبيعة الدور الذي ستقوم به كل من القوى الفاعلة في التوازن الاقليمي الجديد في القارة الاسيوية وخصوصا دور الصين سيتوقف على مدى قدرتها على تجنب الصدام مع تحركات القوى الدولية الفاعلة لا سيما الولايات المتحدة الامريكية والقوى الاقليمية الاخرى الداعمة لسياستها ( كاليابان و الهند) .