مكانة العراق في المدرك الإستراتيجي البريطاني

number: 
1455
عربية
Degree: 
Author: 
سارة شكر أحمد
Supervisor: 
د. قحطان كاظم محمد الخفاجي
year: 
2011

يُعدّ الاهتمام بالمناطق الحيوية من العالم متغيراً أساسياً في سياسات الدول الكبرى وإستراتيجياتها، باعتبار أن جانب كبير من فاعلية الدول الكبرى يعود لطبيعة علاقاتها بتلك
المناطق وحقيقة فاعليتها وتأثيرها على تحديد قناعات الدول وتوجهاتها الإقليمية والدولية،ويتبلور هذا النوع من الاهتمام ويتوجه نتيجة لتكامل متغيرين أساسيين، أولهما : أهمية
المنطقة الحيوية ذاتها، وثانيهما : طبيعة إدراك الدول الكبرى لتلك الأهمية وهذان المتغيران وان كانا في بيئتين متباعدتين، إلا أنهما متكاملان ومرتبطان بعلاقة طردية، فكلما زادت أهمية
المنطقة إقليمياً ودولياً، زاد مدرك الدول الكبرى بضرورة زيادة الاهتمام، والعكس صحيح كلما اتسع مدرك الدول الكبرى واستطردت بالبعد الزمني بتفكيرها الإستراتيجي حيال المتغير الإقليمي والتفاعلات الدولية، كلما أستوجب زيادة الاهتمام بالمناطق الحيوية، وهذه العلاقة مسلمة أثبتها التاريخ، إذ ندر وجود أي دالة خلاف ذلك. ولأن المناطق الحيوية تتكون من مجموعة أطراف ))دول(( تتباين في قدراتها الذاتية وفي توجهاتها وفاعليتها ضمن المنطقة المحددة أو خارجها، فأن مدرك الدول الكبرى سينصرف بدوره إلى تتبع أهمية الدول الفاعلة في الإقليم محل الاهتمام، سبيلاً للتفاعل المطلوب مع الإقليم عموماً، وغالباً ما يتم ذلك حسب معايير القدرات الذاتية وفاعلية الأطراف فيه، من جهة
واحتمالية استحالتها بما يؤمن مصالح تلك القوى من جهةٍ أخرى، ومن ثم فأن سياسات الدول الكبرى وإستراتيجياتها حيال الأقاليم الحيوية قد تكون عبر أطراف بعينها ضمن الإقليم وصولاً
للإقليم عموماً أي من الجزء إلى الكل، وقد يكون السبيل خلاف ذلك فيبدأ الاهتمام من الإقليم وصولاً للأطراف الفاعلة فيه، أي من الكل إلى الجزء، باعتبار كسب أطراف الإقليم الفاعلة ضماناً لتوافق الإقليم مع مصالح الدول الكبرى، وبالتالي يمكن القول إن مصالح الدول الكبرى في الأقاليم الحيوية، ينبغي أن تدرك بمدرك تكاملي لكل من الإقليم وأطرافه.وهذا الأمر ينطبق على بريطانيا، إذ اهتمت بالمناطق الحيوية منذ إن اتجهت شرق العالم وغربه، بحملات استعمارية عللتها آنذاك بغايات اقتصادية تارة، أو سياسية أو أمنية تارةأخرى.والمنطقة العربية وما حولها كانت من المناطق الحيوية في المدرك الإستراتيجي البريطاني، وكان العراق من الأطراف التي حظيت بمكانة مميزة فيه، فبدأت اهتمامها به كطريق إلى الهند، ثم الأهمية الجيوستراتيجية أبان الحرب العالمية الأولى، فالنفط الذي برز كمتغير إستراتيجي تعززت أهميته مع الوقت على الصعد كافة في ظل ثلاثية يمكن تسميتها بالحاجة والحذر ضلعها الأول متطلبات الحرب العالمية الثانية ثم الحرب الباردة، وضلعها الثاني زيادة الطلب العالمي على النفط، أما ثالث أضلاعها فهي تنامي النزعة المحلية التحررية للثروات النفطية والمساعي لتوظيفه بما لا يتواءم ورغبة شركات النفط الغربية، ومن خلفها العالم العربي.ورغم هذه المتغيرات، إلا أن اهتمام بريطانيا في العراق لم يغب عن إستراتيجيتها ولكنه
خضع عموماً لحقائق أبرزها تراجع موقع بريطانيا عن قمة الهرم الدولي في الستينات من القرن المنصرم، ونهج القيادة العراقية لاسيما بعد 8691 والذي أتسم بالابتعاد عن التماثل مع
أهداف بريطانيا في المنطقة.وفي مطلع التسعينات من القرن المنصرم وجدت بريطانيا ضالتها في التأثير على العراق
لغاياتٍ متعددة، فذهبت بعيداً بدعم المساعي الأمريكية حيال العراق، فساهمت بفاعلية بإخراجه من الكويت عام 8668 ، واجتهدت بتطبيق نظام العقوبات الدولية الذي اعتمدته الأمم المتحدة
نتيجة للضغوط الأمريكية البريطانية، وصولاً لمساهمتها الواسعة في تسويغ الغزو ، )الأنكلو_سكسوني( للعراق والأعداد له، ثم مشاركتها الفاعلة فيه واحتلال العراق عام 3002 أملاً بالحصول على مكاسب تتناسب وحجم دعمها للولايات المتحدة الأمريكية ويعيد لها جانب من فاعليتها بالمنطقة عبر حضورها في العراق.ورغم نجاح الاحتلال بإزاحة نظام سياسي شكل في الماضي واحد من العقبات الإقليمية،الا أن الاحتلال لم يأت بالنتائج التي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تمني النفس فيها، فقد كانت خسائرها كبيرة بشرياً ومادياً، وكذلك الحال بالنسبة للحلفاء، فضلاً عن تلاشي الأمل في نشر الديمقراطية في المنطقة التي باتت تعاني من الصراعات الأثنية وزيادة الهواجس الأمنية بين أطراف المنطقة، فتلاشى معها الهدف الأساس من الاحتلال وهو محاولة أعادة ترتيب المنطقة بما يتواءم والمشاريع الغربية.ومن النتائج الكارثية للاحتلال على العراق والمنطقة، يمكن القول أن عدم استقرار المنطقة وحالة اللاأمن التي تعيشها يعود جانب كبير منه لعدم استقرار العراق، وعدم الاستقرار يعود لعدم رضوخ العراق للاحتلال، وهذا بدوره يدلل على فاعلية العراق حتى في ظل الظروف غير الطبيعية وهو ما يمكن أن نطلق عليه : الفاعلية السلبية أو الدور السلبي في عدم فاعلية الإقليم، وبعبارة أخرى، لو كان العراق مستقراً بظل الاحتلال وبحالٍ أفضل مما كان عليه سابقاً، مع وجود توافق مفترض مع الإدارتين الأمريكية والبريطانية، لكانت المنطقة أكثر
استقرارا وتتماشى بشكل أكثر انسجاما وسهولةً مع المشروع )الأنكلوسكسوني(، ولكن حالةالإرباك التي تعلو المنطقة، وغياب الأمن والاستقرار فيها، يعود جانب كبير منه للوضع العراقي، وهذا هو الذي نعنيه بالدور السلبي.وإزاء هذا، لا يمكن للأطراف الدولية الفاعلة في المنطقة كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أن لا تعمل على أصلاحه أو تصحيحه أو توجيه التفاعلات بالمنطقة سواء للعراق لذاته أو للإقليم، ولا يمكن أن تعمل دون أن يكون للطرف المهم دور في إدراكها الإستراتيجي، ومن هنا تأتي أهمية الدراسة وغايتها، إذ لابد أن يكون للعراق مكانة في المدرك الإستراتيجي البريطاني، كون العراق واحد من الأطراف الفاعلة في المنطقة وأن بريطانيا تدرك هذه الحقيقة بكل الظروف ولا يمكن أن يغيب العراق عن مدركها الإستراتيجي، وهي تعلم جيداً إمكانيات العراق ودوره، لاسيما وهي صاحبة التجربة المميزة فيه.
إشكالية الدراسة