يبدو إن توسيع حلف شمال الأطلسي بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار الكتلة الشرقية ترك أثاراً جسيمة لا تقل أهمية عن الانهيار المشهود، هذا أن لم تكن أكثر تأثيرا" لأنها أوجدت وضعاً دولياً أكثر اضطراباً وأوسع ديناميكية وتغير طبيعة النظام الدولي إلى (نظام آحادي القطب ) تهيمن على مجرياته الولايات المتحدة عبر وسائلها العسكرية والاقتصادية والسياسية. واعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية إن عالم ما بعد الحرب الباردة يحوي الكثير من المخاطر والفرص في الوقت ذاته، حيث شرع منظروا الإستراتيجية الأمريكية إلى وضع السيناريوهات الواسعة لاغتنام الضعف الروسي والتوسع باتجاه أوروبا الشرقية والوسطى لحرمان روسيا الاتحادية من العودة مستقبلاً وإعادة بناء إمبراطوريتها الجديدة . وقد ترافق السعي الأمريكي مع الرغبة الأوروبية في منع النزاعات العرقية والاثنية في أوروبا الشرقية من التمدد باتجاه دول الاتحاد الأوروبي وانتشار الصراع ليصل إلى مديات لا يستطيع أحد التنبؤ بأبعادها ، لذلك تم اعتماد آلية التوسيع باتجاه أوروبا الوسطى والشرقية لاحتواء هذه المخاطر، وترافق هذا التحول مع رغبة حكومات دول شرق أوروبا في الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي وعضوية الاتحاد الأوروبي ، وهو الأمر الذي أقرته دول الحلف وأعضاء الاتحاد الأوروبي ، وتم قبول عضوية هذه الدول على شكل مراحل أبتداءاً من العام 1999، ودعم عملية التحول التي ستجري وفق مراحل محددة ليتم التوافق مع المعايير الأوربية في الجوانب الاقتصادية (حرية تجارية وآلية السوق) والسياسية (انتخابات حرة وتداول سلمي للسلطة) والعسكرية (تحديث الجيش وتسليحه وفق المعايير الأوروبية) ، كما تم عقد الاتفاقيات الأمنية مع بعض من هذه الدول لغرض نشر منظومة الدرع الصاروخية (جمهورية التشيك وبولندا) والاستفادة من البنى التحتية العسكرية التي تركها الاتحاد السوفيتي السابق في رومانيا وبلغاريا وخلافاً لما قدمه الحلف من تعهد بعدم نشر قوات ومعدات عسكرية هناك . وأمام هذه المستجدات وجدت روسيا الاتحادية نفسها إمام تهديد أمني خطير بتواجد قوات حلف شمال الأطلسي بالقرب من حدودها وهو ما يشكل تهديداً بالغ الأهمية على الأمن الروسي يستوجب رد الفعل السريع والمناسب لوقف هذا التوسع، وخلقت ردود الأفعال على هذه التطورات جملة من الإحداث تستوجب الوقوف عليها ودراستها من قبل المهتمين والمختصين بحقل العلاقات الدولية، واستخلاص الدروس والنتائج والاستفادة منها في موضوع العلاقات الدولية .