لقد كان الحلف الغربي المسبار للولايات المتحدة الأمريكية في الإفصاح عن آرائها وأفكارها و توجهاتها ، إذ حالت توترات الحرب الباردة التي بدأت حال انتهاء الحرب العالمية الثانية و اكتسبت بعدا جيوستراتيجيا دون ظهور و تأسيس حلف وارشو عام 1955م و دخول روسيا النادي النووي و من ثم الصين الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة رسم خرائط التخطيط و التوظيف الاستراتيجي للحلف على و فق عقيدة توازن الرعب النووي ( الانتقام الشامل – الرد المرن – سلك العثرة – الضرب بالعمق ) أي : أصبحت استراتيجيته تمتلك آفاقاً دفاعية ، لحماية المكانة الأوربية الغربية ، و يكون الرأس الأمريكي على قمة هرمية للسيطرة للحلف الغربي . لهذا وجدت الولايات المتحدة الأمريكية إن السبيل الوحيد للتغلب على القدرات السوفيتية هو باحتواء جميع نشاطات حلف وارشو في القارة الأوربية و العالم أجمع ببعدين رئيسين ، الاقتصادي الذي أعطى بريقه مشروع مارشال وذلك بتقديم المساعدات الأمريكية المالية ، و الاقتصادية و بذلك تبتعد هذه الدول الاوربية عن الاتحاد السوفيتي ، و تقترب من البعد الرأسمالي الأمريكي ، و تأخذ بمفاهيمه الاقتصادية وتتطبع بأفكاره ، و البعد الأخر هو العسكري الذي تمثل بمجموعه الأحلاف العسكرية التي تحيط روسيا و اتحادها السوفيتي كلياً من اجل ( كبح جماح الشيوعية ) فكراً و تطبيقاً اينما ثقفت . وبعد انتهاء الحرب الباردة انتهت معها معايير النشؤ الأولى (ردع الاتحاد السوفيتي ومقاومة امتداد الأفكار الشيوعية المتبعة في شرق أوربا ) و بدأت تسعى الإدارة الأمريكية في إقناع الدول الأعضاء في إعطاء دور جديد ومهمات جديدة للحلف في انحاء أوربا والعالم من خلال مشروع الشراكة من اجل السلام واحتواء الأزمات حتى إن تم وضع العقيدة الأولى له بعد الحرب الباردة وتطبيقها كشكل أول من التوظيف الأمريكي للأفكار والاتجاهات ووظائف الحلف الأطلسي في العالم وذلك بما عرف بأزمة كوسوفا عام 1999 م .
تبع ذلك إجراءات من اجل توسع الحلف وبدأ من جديد والعودة إلى نقطة البداية من اجل احتواء عدو البارحة روسيا بشكلها المغاير ونهضتها الجديدة وتجسدت اطر الاحتواء بضم دول حلف وارشو القديمة والدول المستقلة عنه ( الكومنولث ) بغية التمدد شرقا وكبح الرغبات الروسية في النهضة الجديدة . ففي عام 1999 م وبعد قرار التوسيع الأمريكي( ) عام 1997 م ضمت ثلاث دول ( بولندا .تشيكيا. المجر ) للحلف الغربي ، اذ مثلت عبر البوابة الاطلسية البداية للشهية الأمريكية _ الأوربية في الهيمنة وتحقيق المصالح العليا . ولكن ما جاءت به اللحظة الفارقة من تاريخ العلاقات الدولية وأحداث (الحادي عشر من أيلول 11/ أيلول / 2001 م) من تغييرات دولية في اسقاطاتها امتدت لتشمل الاستراتيجية المتفق عليها حتى إن روسيا عدوة البارحة أصبحت شريك اليوم في دحر الإرهاب والقضاء على أسلحة الدمار الشامل على الرغم من المخاوف الأمريكية من بروز روسيا للسطح السياسي وتغيير شكل الهرمية الدولية من جديد، فضلاً عن الدول الأخرى التي أصبحت في قائمة التهديد للقطب الأمريكي ( الصين، اليابان ، كوريا الشمالية ، أوربا ، الهند ) وبعض الدول ذات المكانة الإقليمية البارزة مثل ( كوريا الشمالية ، البرازيل ، إيران ،......الخ ). وبناءً على ما تقدم تتراءى لنا تساؤلات حول مستقبل الناتو مع الولايات المتحدة الأمريكية ومنها الاتي:ما هي استراتيجية التوظيف ومكانت حلف الناتو في استراتيجية التوظيف الامريكية ؟ما هي هوية المهام الجديدة للناتو في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ؟هل المهام الجديدة للناتو هو ما تطمح له اوربا مثلما تطمح له الولايات المتحدة الامريكية ؟طبيعة العلاقة بين الهيمنة الامريكية و المهام الجديدة للناتو ؟المكانة المستقبلية لحلف الناتو في التخطيط الاستراتيجي الامريكي ؟ على وفق ما تقدم تم اعتماد خطة بحث تنطلق من إشكالية مفادها : ( مدى قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على توظيف حلف الناتو وعلى وفق الآراء والأفكار و التخطيطات ، و الاستراتيجيات الأمريكية ، لتحقيق أهدافها السياسية و الاقتصادية و حتى العسكرية ضمن التنافس الأمريكي _ الأوربي على مراكز النفوذ في العالم ، في لحظة فارقة ، و استراتيجية تترأى للجميع على أنها الفرصة السانحة في ايجاد المكانة و صناعتها ) .وتتمحور الاشكالية حول مجموعة من التساؤلات نحاول تكثيفها بالاتي:1.هل الحلف وسيلة من الوسائل الأمريكية بتوظيف الحلف في خدمة المصلحة الامريكية ، في مرحلة الحرب الباردة و استمرار الحال لما بعدها ؟2. هل هناك تعاون أوربي _ أمريكي في ترسيخ مبدأ الهيمنة الأمريكية في العالم ؟ وان وجد فما هي طبيعة هذا التعاون وشكله وخصائصه ؟ اما مفاد الفرضية : ( وظفت الولايات المتحدة الأمريكية حلف الناتو ليخدم مصالحها وغاياتها التوسعية بصوره إستراتيجيه وقد اعتمدته بالدرجة الأساس إن يكون هذا التوظيف بشكل يتوافق مع الرؤى والأفكار الاستراتيجيه الأمريكية وبما يساهم في فرض الهيمنة الأمريكية على العالم والقضاء على إي عنصر يعد مصدر تهديد لها في المستقبل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى وقتنا الحاضر ) . وعليه قسمت هيكلية الرسالة على ثلاثة فصول يتم التناول في الفصل الأول (منظمة حلف الشمال الاطلسي بين استراتيجية التوظيف و الفكر الاستراتيجي الامريكي المعاصر اطار نظري و مفاهيمي) وتضمن ثلاثة مباحث المبحث الأول: بعنوان (استراتيجية التوظيف) درست مفهوم التوظيف وعلاقته بالتخطيط الاستراتيجي و التحليل الاستراتيجي، و الاختيارالاستراتيجي ، و أثر التغيير الاستراتيجي بالتوظيف الاستراتيجي و محددات التوظيف، و علاقة التوظيف بالهدف وأنواع استراتيجيات التوظيف الاستراتيجي ودور الفكر في تطوير استراتيجياته ، اما المبحث الثاني حمل عنوان (الفكر الاستراتيجي الأمريكي المعاصر) تم التطرق فيه الى المفهوم و النشأة والتطور ، في حين ذهب المبحث الثالث (منظمة حلف الشمال الأطلسي) و دار حول معنى الحلف وأنواعه وتاريخ حلف الأطلسي ومهامه خلال الحرب الباردة . اما الفصل الثاني الموسوم بـ ( دور حلف الشمال الأطلسي بعد الحرب الباردة ) تم تقسيمه الى مبحث أول بعنوان: (الولايات المتحدة الامريكية وحلف الناتو و مرحلة ما بعد الحرب الباردة) تم التطرق فيه إلى أهم الأمور التي شارك بها الفكر الاستراتيجي الأمريكي في رسم إستراتيجية و عقيدة الحلف المستحدثة، ووضع المهام والوظائف الجديدة وقد قسم على مطلبين الأول : الهوية الجديدة للولايات المتحدة الامريكية "قراءة في المنطلقات الفكرية" ، و المطلب الثاني: الهوية الجديدة لحلف الشمال الاطلسي "قراءة في المهام و الادوار الجديدة . اما المبحث الثاني: حمل عنوان دور حلف الناتو في رسم سياسة الهيمنة (امريكا العالم) والمبحث الثالث فكان فحواه: معادلة الارهاب في الميزان الاطلسي "حلف الناتو" ، وفيه رؤية لأهم أدوار الناتو على صعيد محاربة الارهاب وخدمة الرؤية الامريكية في هذا الجانب . وأخيرا الفصل الثالث حمل عنوان (الفكر الاستراتيجي الامريكي حيال الناتو بين استراتيجية التوظيف و الاحلال و المبادلة رؤية مستقبلية) قسم على مبحثين الأول (طبيعة العلاقة بين الثالوث الفكر الاستراتيجي و الولايات المتحدة الامريكية و علم المستقبليات) ونتعرف به على معنى ومفهوم الدراسات المستقبلية على وفق التفيكر الأمريكي وماهية خصائصه ومحتوياته وكيفية نشأته وتطوره وتم التطرق إلى أهم الأمور التي شارك بها الفكر الأمريكي في رسم إستراتيجيته و عقيدته المستحدثة للحلف ، ووضع المهام ، والوظائف الجديدة له في حين حمل المبحث الثاني : استراتيجية التوظيف لحلف الناتو بين ادارتين "بوش الابن-اوباما" قراءة في الاولويات و المكانة ، وتم مناقشت فيه أولوية استراتيجية التوظيف لكل من الإدارتين الامريكيتين السابقة "بوش الابن" و الحالية "باراك اوباما" وطبيعة الإجراءات الوظيفية فيها ؟ وما آلة إليه استراتيجية التوظيف من تراجع ، أو تصاعد في الإدارتين السابقة و الحالية ، فضلاً عن مصير استراتيجية التوظيف ، وكيف أصبح هناك تحولا في هذه الإستراتيجية بين الإحلال و مبادلة التوظيف ، لضمان ديمومة تحقيق الأهداف و الهيمنة الأمريكية على مستوى العالم .
إستراتيجية التوظيف في الفكر الاستراتيجي الأمريكي المعاصر " حلف الناتو أنموذجا "
number:
1336
عربية
College:
department:
Degree:
Supervisor:
د.علي حسين العيساوي
year:
2011